سياسة وعلاقات دولية
استكشافات “استيفانيكو الأزموري” تجمع أكاديميين من أمريكا والمغرب
احتضنت قاعة الندوات بجامعة مدينة نيويورك الأمريكية ندوة علمية تناولت مسار شخصية استيفانيكو أو مصطفى الأزموري، من تنظيم القنصلية العامة للمملكة المغربية بنيويورك وجامعة مدينة نيويورك، بإشراف من البروفيسور المغربي عبد السلام الإدريسي.
الندوة التي حضرها القنصل العام للمملكة المغربية بنيويورك وعدد من الأساتذة الجامعيين والباحثين، مغاربة وأمريكيين، كانت فرصة لتسليط الضوء على رحلة استيفانيكو، الذي لعب دورًا محوريًا في استكشاف ورسم خرائط الأمريكتين خلال هذه الحقبة، وشكلت مناسبة كذلك للاقتراب من هذه الشخصية المغربية الإفريقية التي سكنت الأرشيف الإسباني والبرتغالي، والتي حيكت حولها الكثير من القصص والروايات التي تمتزج الحقيقة بالأسطورة والحديث عن مهارات استيفانيكو الملاحية وبراعته اللغوية وقدرته على التكيف الثقافي مع حياة السكان الأصليين لأمريكا.
في هذا الإطار، تناوب المشاركون في هذه الندوة على تناول مسار الأزموري، كل من زاوية تخصصه العلمي والأكاديمي، بعد أن استمعوا إلى المداخلة المصورة للقنصل العام للولايات المتحدة الأمريكية بالمغرب، Marissa Scott torres، التي شكرت منظمي الندوة، وعلى رأسهم البروفيسور المغربي بجامعة مدينة نيويورك عبد السلام الإدريسي، على اختيار مسار رحلة مصطفى الأزموري موضوعا.
في البداية، تناول البروفيسور عبد السلام الإدريسي الكلمة لشرح دوافع تنظيم ندوة حول مسار مصطفى الأزموري استيفانيكو، التي اختير لها “على خطى مستكشف إفريقي” عنوانا، وكذلك دواعي هذا التوقيت بالضبط المتزامن مع الاحتفال بشهر تاريخ السود.
بعد ذلك، تطرق الادريسي للأهمية التي تحتلها رحلة نارفايز (1527) ومصطفى الأزموري (استيفانيكو)، المستكشف المغربي، في السياق العالمي للتاريخ والتبادل الثقافي، بدءًا من اكتشاف أمريكا، مرورا بالاضطرابات التجارية التي عرفتها تلك الحقبة التاريخية، وكذا النفوذ البرتغالي، والمشاريع الإسبانية في أمريكا الشمالية.
وشبه عبد السلام الإدريسي، في معرض كلمته، استيفانيكو بالجسر الثقافي، مسلطا الضوء على مكانته الفريدة كمغربي سهل التواصل بين المستكشفين الإسبان والقبائل الأمريكية الأصلية، مستعرضا أيضا رحلة استيفانيكو الغامضة من خليج المكسيك إلى أراضي زوني.
واعتبر البروفيسور المغربي أنه على الرغم من أهمية استيفانيكو في عصر الاستكشاف في إسبانيا، إلا أن وجوده في الروايات التاريخية يدفع إلى إعادة النظر في السجلات الإسبانية والوثائق المغربية في العصور الوسطى.
من جانبه، أبرز القنصل العام للمملكة المغربية بنيويورك، عبد القادر جموسي، في عرضه الذي وسمه بـ “الكشف عن الرواد المنسيين”، أنه نظرًا للتجدد المتزايد للاهتمام الأكاديمي بالاكتشافات الأمريكية، بما في ذلك البحث التاريخي، والدراسات الثقافية، والتحقيقات الأرشيفية، واستفسارات ما بعد الاستعمار، فإن هذه الندوة تهدف إلى تقديم نظرة عامة وموجزة عن الأهمية المحيطة بثلاثة عناصر رئيسية: “نارفايز” (البعثة) (1527)، “تقرير كابيزا دي فاكا” (1542)، وشخصية استيفانيكو الرائعة، مؤكدا أنه تم الحفاظ على المساهمات الرائدة لهذا المغربي الإفريقي في استكشاف الجوانب الحيوية لجغرافيا أمريكا ومجتمعاتها وثقافتها بشكل لا يمحى في الوثائق التاريخية.
أما الدكتور جون تي وينج، رئيس قسم التاريخ في كلية ستاتن آيلند بجامعة مدينة نيويورك المختص في تاريخ إسبانيا الحديثة، فقد ركز في كلمته على التوسع الإسباني في المحيط الأطلسي الذي سافر من خلاله استيفانيكو في عشرينات وثلاثينات القرن السادس عشر، مذكرا بأن الاضطرابات التجارية في شرق البحر الأبيض المتوسط في منتصف القرن الخامس عشر دفعت التجار من إيطاليا وكتالونيا وقشتالة وإقليم الباسك إلى تكثيف وجودهم في المحيط الأطلسي، حيث حل الذهب من إفريقيا محل التوابل القادمة من الشرق.
وقال وينج إن البرتغاليين لم يطلبوا الذهب فحسب، بل طلبوا أيضًا القمح من المغرب والعبيد وسلعًا أخرى أثناء إنشاء الحصون التجارية على طول الساحل، مضيفا أن الإسبان والبرتغاليين سرعان ما قاموا بغزو واستعمار جزر الكناري وماديرا، لتنظيمها كمحركات للإنتاج الزراعي حيث كانت مصادر العمالة المحلية غير كافية، مما أدى إلى استيراد العبيد ووضع سابقة مهمة للمستوطنات الأمريكية.
وتابع المتحدث بأنه في أعقاب سقوط المكسيك اعتبارًا من عشرينات القرن السادس عشر، غامر الإسبان أكثر بالدخول إلى قارة أمريكا الشمالية المجهولة، موردا أن مصطفى الزموري إستيفانيكو كان حينها ضمن رحلة نارفايز للبحث عن مدن سيبولا السبع، وكان بذلك جزءًا من عالم المحيط الأطلسي الإسباني الذي بحلول عام 1540 كان قد جعل الأوروبيين والأفارقة والأمريكيين الأصليين على اتصال أوثق، مما أعاد تشكيل التاريخ.
بول شنايدر، كاتب أمريكي، حاول بدوره مقاربة الموضوع في كلمته المعنونة بـ”استفانيكو الجسر الثقافي في أمريكا الشمالية الأصلية”، معتمدا مقاربة الحالة العامة لسكان أمريكا الشمالية الأصليين في وقت الغزوات الإسبانية المختلفة في أوائل القرن السادس عشر، مع إيلاء اهتمام خاص لبعثة نارفايز وأمم الشعوب الأصلية التي واجهها مصطفى الزموري والناجون الآخرون من الرحلة العابرة للقارات.
وقدم بول لمحة عامة عن رحلة نارفايز الاستكشافية، بحيث تتناسب مع سياق المشروع الإسباني في الأمريكتين، وأبرز كيف لعب استيفانيكو دورًا مهمًا كجسر ثقافي بفضل إتقانه لغات متعددة وفهمه للثقافات المختلفة، ما أهله ليصبح وسيطًا مهمًا بين الحملة الإسبانية والقبائل الأمريكية الأصلية التي واجهوها بحيث سهّل وجوده التواصل والتفاعلات في هذا السياق متعدد الثقافات.
واعتبر الدكتور حسين ألحيان، أستاذ جامعي بكلية دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجامعة أريزونا، في عرضه، أن مصطفى الأزموري يعد أول مستكشف إفريقي لجنوب غرب أمريك، وأنه كان أحد الرجال الأكثر إلهاما والأقل فهمًا في تاريخ الجنوب الغربي الأمريكي، وهو “العبد” المغربي المعروف باسم استيفان دي دورانتس في الروايات الإسبانية.
وأكد المتحدث أن استيفان كان أحد الناجين الأربعة من بعثة بانفيلو نارفايز، التي أبحرت من إسبانيا عام 1527 بهدف غزو فلوريدا وخليج المكسيك، فتقطعت السبل بالناجين على ساحل خليج المكسيك وسرعان ما تم القبض عليهم من قبل الأمريكيين الأصليين. وبعد ثماني سنوات من العبودية، هرب أعضاء البعثة وسافروا غربًا، عبر غرب تكساس من خلال المناطق الحدودية الجنوبية الغربية، ووصلوا إلى كولياكان بالمكسيك في ربيع عام 1536.
وبعد ثلاث سنوات، قاد استيفان أول رحلة استكشافية إسبانية إلى أراضي زوني، وكان أول مغربي وإفريقي وغير أمريكي تطأ قدماه أريزونا ونيو مكسيكو الحاليتين. وعلى الرغم من دوره في عصر الاستكشاف والإمبريالية الإسباني في الأمريكتين، إلا أن الروايات التاريخية صمتت عنه، باستثناء الإشارة إلى أنه كان عبدًا رافق فراي ماركوس دي نيزا في رحلاته عبر جنوب غرب أمريكا.
الدكتور أنور ماجد، أستاذ اللغة الإنجليزية المدير المؤسس لمركز العلوم الإنسانية العالمية، ذكر هو الآخر في مداخلته أن شخصية استيبان أو استيفانيكو المغربي الغامضة، هي تذكير بأن العالم الحديث قد تشكل من خلال الصدام بين الإسلام وأوروبا. وعلى الرغم من أنه لا يمكن التأكد من هوية استيفانيكو بأي قدر من اليقين، إلا أن الرجل المستعبد من مدينة أزمور في المغرب يرمز إلى الحضور الوشيك للثقافة الإسبانية-التي كانت مختومة بشدة بالمبادئ المغربية والإسلامية-في أمريكا.
من جهته، سعى الدكتور شعيب حليفي، مؤلف مغربي أستاذ جامعي، في الورقة التي قدمها في الندوة، إلى استكشاف كيفية تصور الروائيين المغاربة شخصية مصطفى الأزموري، والتعمق في المواضيع التي أثارت اهتمامهم بهذه الشخصية التي أصبح اسمها مرادفا لموضوعات الرحلة والاستكشاف والفكر والانفتاح، قائلا إن الرواية المغربية تحاول أن تستمد إلهامها باستمرار من شخصيات رمزية في التاريخ السياسي والثقافي، وهي شخصيات احتلت مكانة كبيرة.
أما حسن حامي، ديبلوماسي سابق دكتور في العلوم السياسية، فاعتبر أن قصة استيفانيكو، المعروف أيضًا باسم مصطفى الأزموري، هي فرصة للتأمل، مستشهدا بما قاله الباحث المالي أمادو هامباتي با: “عندما يموت رجل عجوز في إفريقيا، تحترق مكتبة”.
وقال إن هذا الشعور يصدق خاصة عندما نتعمق في الأرشيفات الاستعمارية التي رفعت عنها السرية، ونكشف عن المساهمات الكبيرة للأفارقة في النسيج الغني للتاريخ البشري، مضيفا أن استيفانيكو، المستكشف والمدافع عن الحرية، هو بمثابة تذكير بالدور المتكامل للمغرب فيما يطلق عليه الخطاب المعاصر “الشراكة الثلاثية”، مشيرا إلى أن النظام الدولي يشهد حاليا تحولات معقدة وديناميكية، مؤكدا أن دراسة الروايات التاريخية يمكن أن تساعدنا في فهم التطورات المعاصرة.
وفي كلمته، شدد الدكتور ألفريد بي كيرتس، رئيس لجنة العمل والتخطيط، على أن الاعتراف بإرث استيفانيكو خلال شهر التاريخ الأسود يحمل أهمية عميقة في الاعتراف بمساهمات الأفراد المنحدرين من أصل إفريقي، التي غالبًا ما لا يتم الاعتراف بها بشكل كافٍ، وتطوير سرد تاريخي أكثر شمولاً
وقال كيرتس إن استيفانيكو، المعروف أيضًا باسم استيبان المغربي، كان مستكشفًا إفريقيًا رائدًا، وكان من أوائل الأشخاص من أصل إفريقي الذين قدموا إلى ما يعرف الآن بالولايات المتحدة.
وأشار الدكتور ألفريد بي كيرتس إلى أن قصة استيفانيكو هي بمثابة شهادة على المساهمات الكبيرة للأفارقة في الاستكشاف والاكتشاف، وتحدي الصور النمطية وتوسيع فهمنا للأدوار التي يلعبها الأفراد المنحدرون من أصل إفريقي في الأحداث التاريخية.