أخبار
المعهد الملكي يرفض ربط مشاكل القطاع الفلاحي بالمغرب بـ”رحمة السماء”
من موقعه كمؤسسة معنية بقضايا التفكير وتعميق النقاش الوطني دخل المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية على خط واقع القطاع الفلاحي الوطني، في ظل استمرار الجفاف للسنة السادسة على التوالي وتأثيره على مختلف سلاسل الإنتاج والسلة الغذائية للمغاربة.
وأفاد المعهد، ضمن تقرير حديث الصدور يخص لقاء سابقا شاركت فيه عدد من الكوادر الوطنية المتخصصة، بأن “خطورة الوضعية الحالية تكمن في الامتداد الزماني والمكاني للجفاف، والارتفاع الكبير في الاحتياجات المائية الموجهة للسقي، ما بات استمراره مهددا بتعطل دورات إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية والمياه والغابات”.
ولفت تقرير المعهد، الذي طالعته هسبريس، إلى “الاستغلال المفرط للموارد المائية في مشاريع الري الخاصة، في وقت لم تتم خدمة المناطق البورية بشكل عادل ضمن السياسات العمومية”، موضحا أن “العجز في تحقيق التكامل بين هذه السياسات وتقاربها يساعد في إضعاف قدرة القطاع الزراعي على الصمود، بما يهدد أنظمة زراعية بأكملها، من بينها الواحات التي تشكل الهوية الوطنية”.
واعتبر المصدر ذاته أن “رحمة السماء لا يمكن أن تكون في حد ذاتها مفتاحا لكل مشاكل القطاع الفلاحي، إذ سيلزم السياسات العمومية تغيير النماذج عبر اختيار التنمية الزراعية المتكاملة المرتبطة أساسا بالتنمية الإقليمية؛ فمستقبل الفلاحة الوطنية يهم المجتمع ككل، ولا يمكن أن يرتبط مصيرها باتباع نهج قطاعي محدد”.
تحديات تواجه الفلاحة الوطنية
عللت المؤسسة البحثية ذاتها تأكيدها على “الوضعية الحرجة غير المسبوقة للفلاحة الوطنية” بـ”التدهور المتواصل للموارد الإنتاجية الأساسية، إلى جانب تفاقم اعتماد المغرب على الدول الأجنبية من أجل سد العجز المتزايد في المنتجات الغذائية الأساسية، إذ امتد هذا الاعتماد إلى منتجات لم تكن الدولة تعتمد على استيرادها إلا بشكل هامشي”.
التقرير المعنون بـ”مستقبل الفلاحة في المغرب في ظل الندرة الهيكلية للماء” أورد أن “التحدي الذي يواجه الفلاحة الوطنية اليوم هو الاستمرار في وظيفتها الغذائية من خلال حماية المغاربة من مختلف المخاطر المتعلقة بالغذاء مع النمو الديمغرافي واتساع نطاق التحضر”، متابعا: “ندرة المياه المتزايدة من المرجح أن تؤدي إلى الإضرار بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة”.
وحسب المصدر ذاته “سيتعين على المغرب الأخذ بعين الاعتبار ظهور سياق دولي ينذر بتغيرات جيوسياسية كبرى تغذي الشكوك بشأن التجارة وأسعار المنتجات الغذائية، وسط دعوات كبريات الدول المنتجة إلى اعتماد الحماية والسيادة الوطنية”، ضاربا المثل بـ”الصراع الأوكراني الذي وضع قضية الغذاء في قلب القضايا الجيو-سياسية” ومؤكدا أن “الاستثمارات العامة المخصصة للقطاع الزراعي غير كافية”.
كما سجلت الوثيقة “افتقار الفلاحين الصغار والمتوسطين إلى المؤهلات الفنية الكافية، بحيث يظل مستواهم التعليمي غير كافٍ، إذ إن 78,3 من المشتغلين بقطاع الفلاحة وصيد الأسماك لا يتوفرون على شهادات جامعية، ما يعيق وصولهم إلى الممارسات والتقنيات الزراعية الحديثة”، موردة أن “النزاعات بدورها حول ملكية الأراضي
تطرح عقبات كبيرة أمام الاستثمار في هذا القطاع الحيوي”، في حين أنه “لم يتم النجاح خلال ثلاثين سنة الماضية في تصحيح الاختلال القائم بين البيئتين القروية والحضرية”.
توصيات للمستقبل
ورغم تشخيصه الوضعية بإيجابياتها وسلبياتها لم يكن التقرير ليخلو من توصيات، إذ أوصى بـ”إعادة إطلاق النقاش الوطني حول مستقبل الفلاحة المغربية، سواء بالمناطق المسقية أو البعلية”، فضلا عن “إعادة النظر في نموذج إدارة القطاع الزراعي بشكل يعيد تأسيس أهمية البعد الاقتصادي والاجتماعي في تطوير السياسات المعتمدة في هذا الصدد”.
وشدد المصدر ذاته على “تعزيز حماية الأراضي المنتجة من الزحف العمراني عبر سياسات تهم استخدام هذه الأراضي، مع الحرص على الاستفادة من التجارب الدولية الجيدة في إدارة المياه، خصوصا على مستوى الدول التي تعرف الوضعية المناخية نفسها، إلى جانب إنشاء نظام لرصد وتقييم السياسات الفلاحية والابتعاد عن التقييم الذاتي”.
وبيّن التقرير الذي يتضمن إفادات عشرات الأطر الوطنية “أهمية إصدار قوانين جديدة وتعزيز القوانين المتعلقة بالقطاع الفلاحي، مع وضع قانون جديد أكثر شمولا للاستثمار الزراعي الذي كان يركز بشكل أساسي على الري”، مبرزا “ضرورة إنشاء ضرائب بيئية هادفة إلى مكافحة التلوث وتدهور الأراضي وسوء إدارة المياه”.
كما أفادت الوثيقة نفسها بـ”أهمية إعادة تنشيط المرصد الوطني للجفاف، وتوسيع شرطة المياه لتشمل قوات الدرك بهدف مكافحة الممارسات غير القانونية لسحب الموارد الجوفية بالعالم القروي”، مسجلة “ضرورة تعزيز الإنتاج الزراعي ذي البصمة المائية المنخفضة وتوجيه الإنتاج ذي القيمة العالية نحو السهول الساحلية وتشجيع الري بالمياه المُحلاة”.
المصدر : هسبريس