أخبارالثقافة والفن

إعادة تأهيل ساحة جامع الفنا تبحث عن هندسة ثقافية لائقة بسحر مراكش

قال جعفر الكنسوسي في مقال تقديمي لمجلة “دفاتر تراث مراكش والجهة”، التي خصصت عددها الثالث لساحة جامع الفنا: “في الوضع الراهن، هناك اقتران تاريخي يتيح تحقيق إحياء هذه الساحة التاريخية، والإدارة هي الضامن”، مضيفا أن “هناك مشروعين جديدين قيد الإنجاز بالساحة، يتعلق الأول بمتحف مخصص للتراث غير المادي، والثاني بإعادة تأهيل الميدان بأكمله”، مؤكدا أن “المكان يتطلب قبل كل شيء هندسة ثقافية وتجديد ذلك السحر وسلطانه الآسر وما لديه من سر”.

وإذا كان المشروع الأول المتمثل في إحداث متحف مخصص للتراث غير المادي رأى النور، فإن تأهيل الساحة ما زال يراوح مكانه، ما جعل الكنسوسي يقول بمرارة: “من الواضح أن أهل القرن الجديد لن يجدوا ذكرى لهذا المكان، إلا إذا كانت العزيمة قوية لإحياء هذا التراث العتيق وإنقاذه”.

سؤال في البرلمان

لتحريك مشروع إتمام أشغال تهيئة وتثمين ساحة جامع الفنا التاريخية، لرد الاعتبار إليها واسترجاع بريقها والحفاظ على مكانتها العالمية المعترف بها دوليا من طرف منظمة اليونيسكو، وجه رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، سؤالا إلى فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة رئيسة جماعة مراكش، جاء فيه “تكتنف ساحة جامع الفنا، اليوم، مجموعة من النقائص والسلبيات البينة، من حيث التعمير والمعمار، وعلى مستوى التدبير والتنظيم والبنيات التحتية والمرافق والتجهيزات الأساسية”.

أضاف أن “إعادة هيكلتها وتأهيلها، بصورة ناجعة ومستعجلة، هي مسألة في غاية الأهمية“، مشيرا إلى أن “عددا من الفعاليات تثير تأخر تفعيل برنامج تهيئة وتثمين ساحة جامع الفنا، بشكلٍ غير مفهومٍ، على الرغم من وجود اتفاقية موقعة بهذا الشأن، بما رصد في إطارها من مبالغ مالية هامة، لرد الاعتبار إليها واسترجاع رونقها وصوْن مكانتها العالمية على جميع المستويات، ولأجل النهوض بها من خلال برامج تنموية تعزز جاذبيتها الثقافية والاقتصادية والسياحية، وبغاية ضمان استدامتها كموروث وطني وعالمي وإنساني”.

رؤية جمعية منية

بحسب جمعية “منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته”، تعاني الساحة من استمرار العديد من مظاهر الريع والانحرافات على مر السنين في جملة من الجوانب، منها “تشويه الواجهات المحيطة بالساحة من خلال البنايات غير القانونية من نوعها العشوائي، التي لا تحترم معايير تخطيط المدن المعمول بها، أو سلامة الناس، أو جمالية المكان. والتطاول في البناء-اللاّفتات التجارية المهيمنة-استخدام مواد غير متوافقة وغير منسجمة مع روحانية المكان. فالتّخلي عن هذا البعد هو بمثابة مخاطرة ببركة المدينة”.

وأضافت الجمعية أن هذه “كلها عناصر في تناقض صارخ مع السلطة القانونية لظهير الحماية الذي أصدره السلطان مولاي يوسف عام 1922.

المشكل الثاني هو الاستيلاء على الفضاء من لدن أكشاك الطعام والشراب، وكذلك الفرّاشة (الباعة الجائلين). فبقوة الظروف، أسهم هؤلاء في تقليص المساحة المخصصة للحلقة التي هي روح جامع الفناء. ومن “ثمّ، فإن الوهم السياحي قد أخفى حالة الإهمال في مواجهة الاستيلاء على الفضاء من قبل مصالح مبالغ فيها لبعض الخواص”.

واستدلت جمعية منية على هذا الوضع قائلة: “تضررت صورة السياحة، فلقد ابتعد المراكشيون تدريجيا عن الساحة، وتخلوا عنها للسياح ولمن يرافقهم، وهؤلاء يشعرون الآن بعدم الارتياح. فحتى بالنسبة إليهم، لا يتم في نهاية المطاف، تقديم أي شيء من شأنه أن يكون له بعد ثقافي في المكان، وهذا ما تؤكده آلاف التّعليقات على المواقع السياحية، تشير إلى أن أغلبية الوافدين الجدد لن يعودوا بسهولة”.

إن تدخلا قويا من شأنه أن يعيد للساحة روحها ووظيفتها، بحسب هذه الرؤية، وينبغي له أن يتخذ غايته إلى ما هو فوق أعمال التجميل. “ففي الواقع، حتى ولو أنفقت مبالغ كبيرة على إصلاح الواجهات، فإن جوهر المشكل سيبقى مطروحا: فمباشرة الإصلاح في الساحة من شأنه أن يكرس واقعا مخالفا لقوانين التعمير عندما تشمل الإصلاحات بنايات غير مرخصة. وهنا يأتي دور الجمعيات التي تمثل المجتمع المدني، وبصفتها أحد مكونات المجتمع المدني، تقترح هذه الجمعية تزويد الإدارة بخدمة إحياء رسوم جامع الفناء من جديد. فمن خلال ورشات للتفكير، ستتم صياغة مقترحات ومقاربات لمستقبل الساحة، وسيشكل هذا الاقتراح منصة لتأسيس ميثاق [حرم جامع الفناء] يفتتح إطارا جديدا يجد فيه المتعهدون ورواد الساحة إجابات على تساؤلاتهم، مع إعادة التأكيد على المطالب الملحة لأهل مراكش وتطلعات المغاربة وانتظارات الزوار”.

اجتماع للإنصات

ومن أجل تدارك هذا التأخر، انكب فريد شوراق، والي جهة مراكش أسفي، منذ تعيينه، على ايلاء هذا الملف الأولوية، حيث عقد اجتماعات مع الجهات الرسمية المعنية، ومن خلال ممثلي السلطة المحلية مع الجمعيات المعنية بتأهيل ساحة جامع الفنا، كرابطة الإخلاص التي تمثل تجار الأسواق المحيطة بالساحة، بحضور النائب الأول لرئيسة جماعة مراكش، الذي قدم تصورا عن هندسة تأهيل ساحة جامع الفنا، بحسب تصريح مصطفى مقودي، رئيس رابطة الإخلاص، لهسبريس.

وأضاف: “وعدنا النائب الأول لفاطمة الزهراء المنصوري، على مستوى السير والجولان، بإزالة المتاريس التي توجد على مداخل الساحة وتشوه صورتها، وتعويضها بحواجز هيدروليكية، ومنع دخول الدراجات النارية والعادية، وإحداث مراكن للسيارات، من خلال تخصيص مدرسة سيتم الاشتغال على الإجراءات القانونية عبر نزع الملكية أو المعاوضة”، موردا: ”طرحنا مشكلة تؤرق إعادة هيكلة وتهيئة وتثمين ساحة جامع الفنا، تتمثل في سوق الدجاج بسوق السمارين، الذي يعد نقطة سوداء، ومن أجل حل المشكل، اقترحنا ضم السوق البلدي ومقر غرفة الصناعة التقليدية”.

وتابع مقودي قائلا: “بخصوص تراخيص احتلال الملك العمومي بالساحة وممر الأمير الذي يتميز بالضيق ويستفيد فيه بعض التجار من رخصة استغلال أربعة أمتار، فهذا لا يقبله العقل لأنه يشوه المنطقة ويمنع وصول السائح إلى الأسواق والمحلات التجارية، لذا تطالب جمعية الإخلاص بإعادة النظر فيها، وهو ما تلقينا وعدا بشأنه، حيث ستصبح التراخيص من اختصاص مصالح المجلس الجماعي، بعدما كانت تدخل ضمن مهام مجلس مقاطعة المدينة العتيقة، التي ستشرف عليها لجنة مختلطة، بتنسيق مع السلطة المحلية وباستشارة مع ممثلي جمعيات المجتمع المدني بالساحة والأسواق المحيطة بها”.

سحر المكان

عن تصور مطاعم الهواء الطلق المتنقلة التي تؤثث هذه الساحة، البالغ عددها حوالي 64، قال عبد الغني فليليس، رئيس جمعية رواد ومعلمي الطبخ الأصيل بساحة جامع الفنا: “يجب الحافظ على سحر أيقونة مدينة مراكش، وعلى تقاليدها المغربية، من قبيل الهندام الأصيل، وشكلها الهندسي، وجودة الأكل الأصيل بكافة أنواعه، وعلى رأسه الطنجية، أما الإنارة فيجب أن تتلاءم مع سحر المكان”.

ويقترح هذا “المعلم” الذي شب وشاب بساحة جامع الفنا، التفكير في بقاء المطاعم في مكانها، لأن تركيبها وإعادة تفكيكها متعب جدا، وقال: “كل حنطة تشغل حوالي 20 مستخدما، بعضهم حاصل على شواهد جامعية عليا”، متمنيا أن تستجيب الحلة الجديدة المنتظرة لتثبيت المطاعم بساحة “جامع الربح”، ما “سيساعد على ضمان سحر وأمن زبائن هذه الساحة من التساقطات المطرية وحوادث الصدمات الكهربائية التي أودت سابقا بحياة أحد الأشخاص”.

وللرقي بسمعة وصورة هذه المطاعم، أجمعت تصريحات متطابقة لفاعلين سياحيين بمدينة مراكش، على ضرورة إخضاع المستخدمين بها للتكوين حتى يكتسبوا قواعد تقديم الأكلات بهندام نظيف وأسلوب يجذب السائح، ويضمن جمالية المكان الذي يشكل مصدر المتعة والأسرار الحضارية التي تنهل من عبق التاريخ.

وأكدت مصادر هسبريس من مؤسسة العمران أن “برنامج تهيئة وتثمين ساحة جامع الفنا، مشروع ضخم، يتطلب تضافر الجهود، واستحضار الدقة والإبداع لتفعيله بشكل يرقى إلى مستوى هذا الموقع التاريخي والوطني والإنساني المتفرد”، مضيفة: “منذ تولي والي الجهة الجديد، عقدت اجتماعات لتنزيل هذا المشروع الذي عرف ضخا في الميزانية المخصصة له”.

المصدر : هسبريس

إغلاق