سياسة وعلاقات دولية

الملك محمد السادس يوجه رسالة سامية إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين حول فعالية وتطوير المدارس

وجه الملك محمد السادس، رسالة سامية إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين، حول فعالية وتطوير المدارس، الذي افتتح أشغاله الثلاثاء، بمدينة مراكش.وفي ما يلي نص الرسالة الملكية التي تلاها سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي .. “الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه. حضرات السيدات والسادة، يطيب لنا أن نتوجه إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين حول فعالية وتطوير المدارس، الذي أحطناه برعايتنا السامية، لما نوليه من عناية لموضوعه الأساس المرتبط بالتربية والتعليم، ودورهما في تمكين الشباب من المساهمة الفعلية في تحقيق التنمية المستدامة. ونود في هذه المناسبة، أن نشيد بالأهداف السامية التي وضعها هذا المؤتمر نصب عينيه، وبالمقاصد النبيلة التي يسعى لتحقيقها منذ تأسيسه، والتي تروم في جوهرها تحقيق الإنصاف، والارتقاء بالجودة في التربية والتعليم عبر العالم. وإذ نرحب بضيوف المؤتمر الكرام، فإننا نعرب لهم عن بالغ سرورنا بانعقاد هذا الملتقى العالمي على أرض المملكة المغربية، كأول بلد إفريقي وعربي يستضيف إحدى دوراته، بعد أن اقتصر الأمر في السابق على دول من أوربا وأمريكا وآسيا. وهي مبادرة تكرس المصداقية التي يحظى بها المغرب لدى مختلف الهيئات والمنظمات والمؤسسات الدولية، والبلدان الشقيقة والصديقة والشريكة. حضرات السيدات والسادة، إن هذا المؤتمر يجسد إرادة المجتمع التربوي الدولي، في تقوية أواصر التعاون شمال-جنوب، وجنوب-جنوب، في مجال تطوير المدرسة والأنظمة التربوية، اعتبارا للأبعاد الكونية للتعليم، الذي يشكل حقا أساسيا من حقوق الإنسان، واستحضارا لغايات الهدف الرابع لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي توافق عليها المنتظم الدولي، والتزمت بها الحكومات، والتي تتوخى في جوهرها ومبتغاها ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل، وتعزيز فرص التعلم على مدى الحياة أمام الجميع. كما يشكل هذا المؤتمر فرصة لإبراز الدور الريادي الذي يمكن أن تلعبه دول القارة الإفريقية، الغنية بشبابها، في إذكاء النقاش حول الرفع من جودة التربية والتكوين، وفي تلمس أفضل السبل الكفيلة بالاستجابة للانتظارات الرئيسية للمنظومات التربوية للدول السائرة في طريق النمو، التي تسعى لتطوير أنظمتها، والارتقاء بها إلى مستوى مثيلاتها من الأنظمة التربوية المتقدمة. وفي هذا الإطار، فبقدر ما نسعى إلى تحقيق المقاصد التربوية والتنموية للمؤتمر، فإننا نحرص على أن نجعل منه فرصة مواتية لتعزيز علاقات التعاون والتقارب، التي يتشبث المغرب بتقوية أواصرها، محليا وعربيا وإفريقيا ودوليا ؛ وذلك تماشيا مع إرادته القوية في ترسيخ روابط الإخاء والصداقة والتعاون، والشراكة البناءة، وتحقيق التقدم المشترك، وانسجاما مع قيم الانفتاح والاعتدال، والتسامح والحوار، المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء. هذه القيم الإنسانية التي انتهجها المغرب، وكرسها دستور المملكة. حضرات السيدات والسادة، يستمد هذا المؤتمر أهميته الخاصة، من اعتبارات عدة، من بينها العدد الهام للدول المشاركة في فعالياته، والذي يناهز سبعين دولة من مختلف أرجاء المعمور، وما يشكله ذلك من رصيد غني بالتجارب الدولية المتنوعة، وبالمقاربات المختلفة ؛ وما يتيحه من آفاق رحبة للتعاون، ومن إمكانات واعدة للشراكة. ومما يزيد هذا الملتقى أهمية، راهنية القضايا والمواضيع التي يطرحها، في توافق تام مع الانشغالات الأساسية لغالبية الأنظمة التربوية. الأمر الذي يجعله مناسبة سانحة للتفكير الجماعي، وتعميق النقاش، وعرض الأفكار، والإفادة وتبادل الخبرات والممارسات، وتلاقح التجارب الناجحة ؛ وبالتالي الارتقاء بأداء المؤسسة التعليمية، كفضاء للتربية والتكوين، بمختلف مستوياتها، العامة والمهنية والجامعية، على صعيد مختلف البلدان المشاركة. حضرات السيدات والسادة، لقد انخرطت بلادنا خلال السنوات الأخيرة في إصلاح عميق وشامل للمدرسة المغربية، حرصنا على تحديد توجهاته العامة، وأولوياته الرئيسية، لإحداث تغيير نوعي في نسق التكوين وأهدافه. غايته الانتقال إلى نظام تربوي جديد، يقوم على تفاعل المتعلمين، وتنمية قدراتهم الذاتية، وصقل حسهم النقدي، وإتاحة الفرصة أمامهم للإبداع والابتكار، وترسيخ القيم لديهم. كما دعونا إلى تمكينهم من اكتساب المهارات واللغات الأجنبية، والانفتاح على العالم. ودعونا إلى بناء المواطن الصالح، وإدماج الشباب في مسلسل التنمية، والانفتاح على الثقافات الأخرى، والانخراط في عالم المعرفة والتواصل. ومن أجل التفعيل العملي والجيد لهذا المشروع التربوي، عمل المغرب على تكريس هذه المبادئ الموجهة، في قانون إطار متكامل الوجهات والمراحل لمنظومة التربية والبحث العلمي. حضرات السيدات والسادة، لقد أكدنا في مناسبات عديدة على العناية الخاصة التي نوليها للنهوض بالتعليم، انطلاقا من إيماننا الراسخ بأدواره الحاسمة، كرافعة لتحقيق التنمية المستدامة، في مختلف الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية. فهو الركيزة الأساسية لتأهيل الرأسمال البشري، كي يصبح أداة قوية تساهم بفعالية في خلق الثروة، وفي إنتاج الوعي، وفي توليد الفكر الخلاق والمبدع، وفي تكوين المواطن الحريص على ممارسة حقوقه، والمخلص في أداء واجباته. المتشبع بالقيم الكونية المشتركة، وبالإنسانية الموح دة، المتمسك بهويته الغنية بتعدد روافدها، وبمبادئ التعايش مع الآخر، والمتحصن من نزوعات التطرف والغلو والانغلاق. وانطلاقا من هذه الأهداف السامية، فإن الفعالية التي ننشدها لمدرستنا، ينبغي أن تقاس، بشكل جوهري، بمدى استجابتها للحاجيات والانشغالات الأساسية للشباب، باعتبارهم القوة المحركة للمجتمعات. وذلك من خلال تمكينهم من المعارف والكفايات والمهارات والقيم واللغات والثقافة، التي ت ن م ي وت ف ت ح شخصيتهم، وت عزز استقلاليتهم، وت ساعدهم على إبراز مؤهلاتهم وتحقيق ذواتهم، وترفع من فرص إدماجهم الاجتماعي والمهني، الذي طالما اعتبرناه حقا للمواطنات والمواطنين، وليس امتيازا لهم. كما يمكن أن تقاس فعالية المدرسة، من جهة أخرى، بمدى قدرتها على ضمان التربية والرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة، وإدماج كافة الأطفال، بمختلف شرائحهم وفئاتهم في فضائها، انطلاقا من مبدأ تكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية والمجالية، وخاصة في المجال القروي والمناطق ذات الخصاص، ولفائدة الفتاة بالبوادي والقرى والأرياف، والأطفال في وضعية هشة، أو الذين هم في وضعيات خاصة. فضلا عن أبناء المهاجرين واللاجئين، الذين لهم الحق في تعليم يلبي متطلباتهم الأساسية، المرتبطة بالتنشئة والاندماج، سواء في البلدان المضيفة، أو في بلدانهم الأصلية. ولا يسعنا هنا إلا أن نشيد مجددا، بالاختيار الموفق للمواضيع والمحاور المطروحة للتفكير والنقاش في إطار هذا المؤتمر. ومما لا شك فيه، أن تدارسها سوف يفضي إلى تقديم أجوبة ملموسة ومبتكرة لمختلف التحديات المطروحة في هذا المجال، من خلال مقترحات وقرارات وتوصيات، نأمل في أن تفتح أفاقا جديدة من العمل المشترك، يساعد أنظمتنا التربوية المختلفة، على توفير التعليم الجيد والمنصف والدامج لجميع الأطفال. تعليم يوفر لهم فرص التعلم مدى الحياة، ويمكنهم من الارتقاء بأنفسهم وبمجتمعاتهم. ومما يجعلنا واثقين في المستوى الرفيع لمخرجات هذا المؤتمر، الحضور الوازن لكافة المشاركين في فعالياته، والمكانة العلمية والأكاديمية والتربوية الرفيعة التي يتحلون بها، من أكاديميين متمرسين، وباحثين مرموقين في الشأن التربوي، وممثلي المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، المهتمة بالمجال التربوي والتكوين والبحث العلمي. وفقكم الله، وسدد خطاكم، وجعل النجاح حليف أعمالكم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”

 

 

الشروق تايمز

إغلاق