25 مليون قنطار.. رقم نزل كقطعة ثلج على مسامع المغاربة من لدن عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، الذي توقع ألا يتعداه المحصول الزراعي خلال 2024؛ الأمر الذي اعتبره بعض المحللين الاقتصاديين مفزعا وينذر بوضع سيء في المستقبل القريب للمغاربة.
وحسب توقعات بنك المغرب التي أعلنها فإن محصول الحبوب سيناهز 25 مليون قنطار مقابل 55,1 مليون قنطار خلال السنة الماضية؛ وهو الرقم الذي كان بدوره ضعيفا ودون التطلعات.
وتوقع البنك المركزي أن تتقلَّص القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 6.4 في المائة في 2024، قبل أن ترتفع بنسبة 12.8 في المائة في 2025، مع فرضية العودة إلى تحقيق إنتاج متوسط من الحبوب قدره 55 مليون قنطار.
ورجَّح مجلس بنك المغرب أن يكون النمو الاقتصادي قد قارب نسبة 3 في المائة في 2023، قبل أن يتوقع أنه سيظل محدودا في 2,1 في المائة في 2024، متوقعا أن يتسارع إلى 4,3 في المائة خلال السنة المقبلة.
وأرجع بنك المغرب أسباب توقعاته المعلنة إلى انطلاق الموسم الفلاحي في ظروف مناخية غير مواتية، مع تساقطات مطرية ضعيفة وموزعة بشكل غير متساو مجاليا ومن حيث الزمان؛ مما أثر على المساحة المزروعة بالحبوب، قدرها بحوالي 2,5 ملايين هكتار مقابل حوالي 3,7 ملايين هكتار خلال السنة الماضية.
في تعليقة على الموضوع، اعتبر الخبير والمحلل الاقتصادي إدريس الفينة أن هذا الرقم، الذي أعلن عنه بنك المغرب بخصوص توقعات المحصول الزراعي، “شيئا ما مخجل ومخيف؛ لأنه يبين أننا لا نملك استراتيجية فلاحية”.
وأضاف الفينة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، “منذ سنوات ونحن نتحدث عن مخطط المغرب الأخضر واستراتيجيات الجيل الأخضر؛ لكن يظهر اليوم أن هاتين الاستراتيجيتين لا يمكن منحهما صفة الاستراتيجية”، مؤكدا أن المغرب كان بإمكانه أن يضمن “على الأقل 100 مليون قنطار بالإمكانيات الموجودة وبطرق معروفة ومستعملة في دول أخرى”.
وزاد الخبير والمحلل الاقتصادي منتقدا: “المغرب لديه إمكانيات هائلة .. وللأسف، نشاهد كيف أن الأمور تسير بشكل عشوائي في قطاع الفلاحة، وليس هناك تخطيط أو إبداع أو تجديد، وهذا كله يؤدي إلى هذا الوضع”، وفق تعبيره.
وأشار الفينة إلى أن وزارة الفلاحة “عندما تقدم أرقاما جيدة، فلا يعني ذلك أنها هي التي حققت هذه الأرقام؛ بل إن الأمطار هي التي حققتها”، مشددا على أن “المناخ يؤثر بشكل كبير على السياسة الفلاحية في المغرب، وهذا أمر مقلق.. وإذا سرنا على هذا النهج، الأمور ستصبح مزرية بشكل أكبر في المستقبل”.
وأفاد المتحدث ذاته لجريدة هسبريس الإلكترونية بأن تحقيق 25 مليون قنطار “سيؤثر في ميزان الأداءات بشكل كبير؛ لأننا سنكون مضطرين إلى استيراد القمح من بلدان أخرى بسعر جد مرتفع”، معتبرا أن هذا الوضع سيؤثر على “ميزان الأداءات والاستيراد، ويبين مرة أخرى أن ليست هناك سياسة فلاحية حقيقية”.
وتابع الفينة مبينا أن الأرقام المعلنة “توضح أننا سنكون مقبلين على جحافل كبيرة من الهجرة من الوسط القروي نحو المدن، وارتفاع البطالة أكثر من 13 في المائة التي سجلت السنة الماضية”، مشددا على أن الحكومة في ظل الأوضاع الحالية “مطالبة بمراجعة نفسها بشكل جذري، سواء على مستوى التركيبة أو البرنامج؛ لأن ما يجري سيوصلنا إلى باب مسدود وكبير جدا”.
من جهته، أفاد عمر الكتاني، الخبير والمحلل الاقتصادي، بأن توقع محصول الحبوب في حدود 25 مليون قنطار يبقى “أمرا طبيعيا، وهو الرقم نفسه الذي يتحقق في سنوات الجفاف سابقا”، مؤكدا أنه عندما يكون الجفاف في المغرب “يكون النمو الاقتصادي ما بين 1.5 في المائة و2 في المائة، وعندما تكون السنة ماطرة نصل إلى 4 في المائة”.
وأشار الكتاني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن معدل النمو الاقتصادي “تقريبا يتضاعف في موسم ماطر، مع العلم أن الإنتاج الفلاحي لا يشكل إلا 17 في المائة من الدخل الوطني”، مستدركا أن آثار الإنتاج الفلاحي وأبعاده تتحكم في 50 في المائة من الإنتاج الوطني.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن الاقتصاد تتحكم فيه “الأبعاد والمضاعف الاقتصادي إما يكون إيجابيا أو سلبيا”، لافتا إلى أن القطاع الفلاحي يمس 40 في المائة من سكان المغرب، و”عندما لا ينتجون أو يكون إنتاجهم ضعيفا لا ينزلون إلى المدن للاستهلاك، وينعكس ذلك على قطاع الخدمات والقطاع الصناعي وقطاع الخدمات”.
وشدد المتحدث عينه على أن المشكل يكمن في “الأبعاد والمضاعِف الاقتصادي الذي يتحول إلى مشكل اجتماعي، وإفلاس بعض الشركات؛ ما يتحول إلى بطالة وتهميش وهجرة قروية وظهور أحياء الصفيح وأحزمة الفقر ضواحي المدن”.
وخلص الكتاني إلى أنه “عندما لا تعالج جذور المشكل وتعالج نتائجه فقط، يبقى المشكل بنيويا”، لافتا إلى أن المشكل في المغرب هو “البادية، و40 في المائة من سكان تركناهم بدون دراسة أو تكوين، وعندما لا يسقط المطر لا ينتجون”، محذرا من أن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للجفاف ستكون مكلفة للمغرب.
المصدر : هسبريس