أخبارالثقافة والفن

ارتفاع تكاليف الإنتاج يحرم المشاهدين المغاربة من “دراما تاريخية وطنية”

لا  يكاد يمر شهر رمضان من كل سنة دون أن يعلق جمهور المشاهدين “بحدة” على الإنتاجات الفنية التي تُعرض على القنوات التلفزيونية الوطنية؛ فعادة ما تنال هذه الإنتاجات حظها من الانتقادات، إما لـ”عدم جودتها” أو “نمطيتها”، على الرغم من كونها تسجل إقبالا قياسيا يتجاوز عادة مليون مشاهدة للحلقة الواحدة على مستوى موقع “يوتيوب” لوحده.

أمام هذه المفارقة، تبرز الدراما الاجتماعية سيدة الإنتاجات الفنية، في حين تظل الإنتاجات ذات الصبغة التاريخية محدودة أو منعدمة، في حين كانت نسخة من مسلسل “فاتح الأندلس” قد أثارت الكثير من النقاش قبل حوالي 3 سنوات، بالنظر إلى كون “طاقم الإنتاج أجنبيا” و”وجود خلل في السيناريو” وفقا للاتجاه الذي سارت فيه انتقادات المشاهدين.

على هذا النحو، تتجدد، ككل سنة، مطالب الجمهور المغربي بضرورة التوفر على إنتاجات درامية تستثمر في التاريخ الوطني وتُعرض للبث عبر التلفزيون أو السينما، خصوصا في شهر رمضان، في حين أكد باحثون في المجال أن “الإنتاج الدرامي التاريخي يظل مكلفا، لا يقدر المنتجون المغاربة على الاستجابة لتكاليفه”، مبرزين الحاجة إلى “إرادة وطنية في هذا الاتجاه لتقريب المغاربة من تاريخهم الحقيقي”.

تكاليف مرتفعة

الطاهر الطويل، ناقد فني، أفاد بأن “الخصاص المسجل على مستوى الدراما التاريخية يعزى أساسا إلى كونها تتطلب تكاليف عالية، باعتبارها محتاجة لطاقم كبير وديكورات جد مكلفة، فضلا عن وجود نوع من عدم الإقبال من لدن المخرجين والمنتجين على هذا النوع من الأعمال التي تتخذ صبغة تاريخية”.

وأكد الطويل، في تصريح لهسبريس، أن “الأعمال المغربية التي تربط المشاهد بحقبة زمنية من تاريخ البلاد تبقى معدودة، على اعتبار أن هنالك تفضيلا للدراما الاجتماعية العصرية من لدن المنتجين والمشاهدين كذلك”، مبرزا أن الجهات الداعمة لا تحبذ عادة الاستثمار في أعمال فنية ذات سيناريو وشخصيات خاصة بفترة معينة من تاريخ البلاد”.

وبين المتحدث أن “طموح المشاهد المغربي أن يحظى بمشاهدة شخصيات من التاريخ السالف للبلاد، مشروع، على اعتبار أن المملكة تظل ذات تاريخ زاخر وممتد على قرون من الزمن، في وقت يتم فيه اللجوء إلى مشاهدة الدراما التاريخية التي تخص دولا أخرى”، مبرزا أن “الأعمال التاريخية تكون فرصة كذلك للتعريف بتاريخ البلاد على المستوى العالمي، وهو ما نجحت فيه تركيا على سبيل المثال”.

ولفت الناقد الفني إلى أن “ما يدفع كذلك عددا من الفاعلين في مجال السينما والتلفزيون بالمغرب إلى تجنب إنتاج أعمال تاريخية، هو تخوفهم من بعض الهفوات التي يمكن أن تمس صلب السيناريو والحقائق التاريخية كما هي، وهو ما يصاحَب عادة بِسَيْل من الانتقادات من لدن المشاهد”، داعيا الوزارة ومختلف الجهات القائمة على شؤون الفن بالبلاد إلى “التأسيس لمشروع يروم إعادة التعريف بالتاريخ المغربي عن طريق السينما والتلفزيون”.

عوامل مركبة

ادريس المريني، فاعل في مجال الإخراج الفني، قال إن “إنتاج عمل فني ذي أبعاد وخلفيات تاريخية يتطلب تكاليف مالية ليست بالهينة، خصوصا إذا ما قارناه بتكاليف إنتاج الأعمال الأخرى، بما فيها الاجتماعية، حيث يظل هذا العمل مقرونا بجهود أخرى تتعلق بالبحث والتدقيق في المراجع التاريخية بهدف تفادي أي خطأ قد يضرب صحة السيناريو ككل”.

وأوضح المريني، في تصريح لهسبريس، أن “الإشكالية المادية هي التي تعيق أساسا استمرار المنتجين في إنتاج مثل هذه الأعمال التي تُعرف بالمغرب وتاريخه والشخصيات التي كانت إلى الأمس القريب من بناة مجده”، موردا أن “المملكة ليست بالدولة التي سيكون لديها شح في السيناريو أو الشخصيات مثلا، وإنما الإشكال في عمقه مرتبط بالتكاليف ليس إلا”.

وذكر المتحدث ذاته، الذي سبق له أن أنتج فيلم “بامو” السينمائي التاريخي، أن “خوض تجربة الإنتاج الدرامي التاريخي يظل مغامرة بالدرجة الأولى، حيث يمكن أن تكون متطلبات الإنتاج أكثر من الميزانية المتوفرة، وهو ما يعني عدم إتمام العمل؛ فإلى جانب العاملين أمام الكاميرا، يوجد عدد من الأفراد الآخرين الذين يشتغلون خلف الكاميرا، من بينهم تقنيون ومختصون في الديكور والأكسسوار”.

ولفت الفاعل في مجال الإخراج إلى أن “الدراما التاريخية تبقى محدودة، سواء بالتلفزيون أو السينما، إذا ما تمت مقارنتها بالأصناف الأخرى، والنقص الذي نشاهده خلال رمضان الجاري مناسبة للتأكيد مجددا على أن للمغرب تاريخا يجب أن يقابل بالعناية التامة وأن يتم الاستثمار فيه على المستوى الفني”.

المصدر : هسبريس

إغلاق