أخبار
دراسة مغربية رسمية ترصد “فجوة عميقة” بين الذكور والإناث في سوق الشغل
أياماً قليلة بعد احتفاء العالم بيوم “8 مارس”، حملت أحدث دراسات المندوبية السامية للتخطيط التحليلية المعمقة معطيات مثيرة عن استمرار “فجوة عميقة” متزايدة في الاتساع بين الذكور والإناث في سوق العمل ومعدلات ونسب النشاط بالمغرب.
وبعنوان “تحليل متقاطع لمشاركة المرأة في سوق العمل بالمغرب: دراسة مقارنة بين جهتيْ الدار البيضاء–سطات والشرق”، سجلت مندوبية التخطيط أن معدل عدم نشاط المرأة “مثير للقلق”، بنسبة 73 في المائة، مقابل احتمالية عدم النشاط عند الرجال منخفضة، قُدّرت بنسبة 7.5 بالمائة فقط.
هذا التحليل المعد في إطار دراسة منجزة بفضل شراكة المساعدة التقنية-آلية نشر الخبراء (PAT-MDE) بتمويل من “Affaires mondiales Canada (AMC)”، على أن يتم نشر التقرير الكامل للدراسة قريباً، أبرز أن “انخفاض معدل النشاط، لا سيما نشاط المرأة، ليس سوى إحدى السمات الرئيسية لسوق العمل في المغرب”.
“النساء المتزوجات أقل نشاطاً مهنيا”
“هذا التفاوت ملحوظٌ بدرجة أكبر بين النساء المتزوجات، اللائي تصل احتمالات عدم نشاطهنّ إلى 81.9 في المائة (مقابل 3.1 بالمائة فقط بين الرجال المتزوجين)، مع استحضار معطى “مقارنة بالشابات اللائي تتراوح أعمارهن بين 25 و34 عاما، مع احتمال 79.4 في المائة (3.3 في المائة للشباب)”.
ولوحظ حسب المصدر البحثي نفسه، “تناقُض هذا الاستنتاج بشكل حاد مع المعدل المنخفض لاحتمالية عدم النشاط البالغ 3.1% الذي لوحظ بين الرجال المتزوجين”. فيما يمتد هذا التفاوت ليشمل فئة عمرية من “الشابات المغربيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 25 و34 سنة، إذ يبلغ معدل عدم نشاطهن 79.4%، مقارنة بـ 3.3% بين الشباب من الفئة العمرية نفسها”.
ويشير تحليل المندوبية السامية للتخطيط أيضا إلى أن مشاركة المرأة في سوق العمل تتأثر بشدة بدورة حياتها. تحدد المؤسسة أن التحديات المتميزة تتطلب حلولاً مكيفة. على وجه الخصوص، تأتي “احتمالية عدم نشاط المرأة في شكل منحنى U”، حسب ما طالعته هسبريس في الدراسة التحليلية المقارنة، ويبدأ هذا بمستوى مرتفع يبلغ 83 بالمائة للشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 25 و26 عامًا. قبل أن ينخفض إلى 72 بالمائة لمن تتراوح أعمارهن بين 43 و44 عاما، ثم يرتفع المنحنى إلى 77.6 بالمائة لاحقًا.
من ناحية أخرى، يزداد هذا الاحتمال مع تقدم العمر لدى الرجال. يرتفع من 5 في المائة لدى الفئة الأكثر شبابا إلى 24 بالمائة لمن تتراوح أعمارهم بين 57 و59 عاماً.
التعليم عامل رئيسي
بالإضافة إلى عوامل أخرى فصّلتها الدراسة، يبرُز التعليم “كعامل رئيسي في تعليل عدم نشاط المرأة المغربية”. إذ أبانت عن “الاختلافات في الاحتمالات بين مستويات التعليم بين النساء أكثر من الرجال”. وبالتالي، “فإن الأشخاص الذين ليس لديهم درجة علمية لديهم أكبر احتمال لعدم النشاط والعطالة عن العمل مع وجود اختلافات وفوارق شاسعة بين الرجال (6.8%) والنساء (80.8%).
ومع ذلك، تورد المندوبية أنه “مع ارتفاع مستوى التعليم، ينخفض احتمال عدم النشاط بشكل كبير بنسبة 42 نقطة مئوية للنساء الحاصلات على درجة أعلى إلى 38.6 بالمائة. بالنسبة للرجال، ونظراً لمستواهم المنخفض، فإن احتمالية عدم نشاطهم تنخفض بنسبة 1.7 نقطة مئوية فقط”.
وحسب مُنجزيها، سعت الدراسة إلى “فهم المحددات الهيكلية لعطالة المرأة أو عدم نشاطها”، مع مقارنة بين جهتَي الدار البيضاء-سطات والشرق إلى “تحديد/رسم الملامح متعددة الأبعاد للمرأة التي من المرجح ألّا تشارك في سوق العمل”، مع تسليط الضوء على “التفاعلات بين القيود أو العراقيل الفردية والاجتماعية فضلا عن ظروف سياقات قد تواجهها”.
تأثير السياقات المجالية
“دراسة احتمال عدم النشاط على الصعيد الجهوي” تكشف عن “الأثر الكبير للسياق الجغرافي والاجتماعي–الاقتصادي على مشاركة المرأة في سوق العمل”.
وسُجلت في جهات طنجة-تطوان-الحسيمة والدار البيضاء-سطات والرباط-سلا-القنيطرة “أدنى احتمالات عدم النشاط بين المناطق، على الرغم من أنها لا تزال مرتفعة، حيث تصل إلى 68 و70.8 و74.9 في المائة على التوالي”.
الدراسة التي طالعت جريدة هسبريس ملخصها التركيبي، حاولت مقاربة “تعقيد القيود المفروضة على مشاركة المرأة في سوق العمل بالمغرب من خلال نهج متعدد الجوانب بين الجنسين، يجمع بين منهجيات البحث الكمي والنوعي. كما يهدف إلى تحليل العقبات الاجتماعية التي تعيق مشاركتهن الاقتصادية من خلال تحليل مقارن بين الدار البيضاء-سطات والشرق”.
وأضافت الدراسة بالشرح: “الواقع أن هذه الأخيرة تواجه عدة ضغوط اقتصادية وديمغرافية”. على الرغم من النمو الاقتصادي القوي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم يكن عدد الوظائف التي تم إنشاؤها كافياً لاستيعاب القوى العاملة المتاحة”، تبرز الـمندوبية، لافتة إلى أنه “بين عامي 2000 و2019، لم يخلُق الاقتصاد المغربي سوى 110 آلاف وظيفة سنويًا في المتوسط، بينما زاد عدد الأشخاص البالغين سن العمل بمقدار 375 ألفا في المتوسط سنوياً”.
في هذا السياق “الاقتصادي والديموغرافي”، ارتفع معدل النشاط-إجمالا-من 53,1 في المائة في عام 2000 إلى 43,6 في المائة في عام 2023، مما يمثل “زيادة سريعة في عدد الأشخاص غير النشطين”. هذه الزيادة، بحسب توصيف مندوبية التخطيط، “أكثر إثارة للقلق بالنسبة للنساء، نظراً للانخفاض المستمر في معدل مشاركتهن من 28.1 في المائة في عام 2000 وصولا إلى 19 في المائة عام 2023، ليظل بذلك “أقل بكثير من الرجال (69٪ في عام 2023)”، يلاحظ المصدر ذاته متتبعاً مسارات سوق الشغل بالمملكة على مدار عقدين ونيف.
يذكر أن الإطار المنهجي الذي استعان به باحثو المندوبية لإنجاز الدراسة هو “التقاطع” (L’intersectionnalité)، وهو “نهج تحليلي يسمح بتحليل التقاطع بين الأشكال المختلفة للتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية من خلال دراسة خصوصية الروابط المتبادلة وتراكم مختلف المعايير الاجتماعية والاقتصادية التي تتغير من مجتمع إلى آخر، أو من فئة اجتماعية إلى أخرى”.
المصدر : هسبريس