أخبارالمجتمع

آيت مبارك .. رب “أسرة مغربية بريطانية” يخبر السياحة في جبل توبقال

برَزّتِه المغربية وجلبابه القطني المُعد يدويا، لا يكاد محمد آيت مبارك، من ساكنة جبل توبقال، يُفارق مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال فيديوهاته التي يستعرض فيها نشاطه التقليدي ولحظات من اشتغاله رفقة السياح الأجانب في مجال بيع الزرابي المحلية، مُظهرا كذلك إتقانه الشديد للغة الإنجليزية التي اكتسبها عن طريق الممارسة بعيدا عن قاعات الدراسة، مبينا في الوقت ذاته كيفية تأثر أبنائه به.

ونظير بساطتها وتعبيرها عن أصالة القاطنين بالمجال القروي، تلقى فيديوهات محمد تفاعلا كبيرا على مستوى المواقع الاجتماعية، بما فيها موقع “فيسبوك” وموقع “إنستغرام”، اللذان ينشط عبرهما باستمرار، مُطلعا بذلك المتابعين على حياته اليومية من أقاصي جبال الأطلس الكبير وآخر التجمعات السكنية قبل الوصول إلى جبل توبقال.

يقطن آيت مبارك، الأربعيني، بدوار أرمد، التابع إداريا لجماعة أسني بإقليم الحوز، المرتفع بحوالي ألفي متر عن سطح البحر، ويضم حوالي 2600 نسمة ويشتغل أفراده تقريبا في مجالي السياحة والفلاحة التقليدية، بما فيها أشجار التفاح والجوز. وعلى هذا النحو، سار محمد بدوره مُؤسسا تعاونية أسماها “التعاونية الحرفية أدرار”، في إحالة رمزية على الجبل، وذلك سنة 2014، بتمويل منه وبتنسيق مع أفراد آخرين من عائلته.

يقول محمد في حديثه لهسبريس: “في البداية، كان اشتغالي في مجال السياحة منذ ربيعي السابع عشر، وتحديدا في نقل أمتعة السياح الأجانب إلى نقط مرتفعة باستخدام البغال. بقيت على هذا الحال لمدة ثلاث سنوات، قبل أن أفتح دكانا يشبه إلى حد كبير [بازارا] أعرض فيه بعض المستحاثات والأحجار المهمة التي آتي بها من لدن مختصين”.

ويردف: “حاولت تطوير نشاطي التجاري مع استمرار تدفق السياح على المنطقة، حيث عمدت إلى المزاوجة بين ترويج الأحجار الثمينة والاتجار بالزرابي التي أقتنيها من مناطق مختلفة من المغرب، منها تازناخت وورزازات، قبل الاستقرار على تجارة الزرابي لما عليها من إقبال ولمساهمتها في تشغيل يد عاملة مهمة”.

“مؤخرا، حاولت توسيع النشاط عبر افتتاح مقرات أخرى بدواوير قريبة من المدشر الأصلي، حيث تشتغل معي تقريبا 40 امرأة يتكلفن بإعداد النسيج من البداية إلى النهاية، بعد أن أكون قد اقتنيت لهن مختلف المواد الأولية اللازمة، من صوف وصباغة”، يذكر المتحدث ذاته، لافتا إلى أن “هذا المشروع الذي يندرج ضمن نشاط التعاونية الفلاحية المذكورة، ساهم في تحريك عجلة الاقتصاد بالمنطقة، على اعتبار أن هذه الأخيرة تُعد ممرا للسياح الذين يقصدون أعلى قمة توبقال”.

ويزيد المتحدث في إفادته لهسبريس أن “فترة جائحة كورونا فتحت باب العالم أمام التعاونية، حيث أسست لها موقعا إلكترونيا خاصا، بمساعدة من سياح أجانب؛ وبالتالي باتت المنتوجات التي يتم إعدادها محليا تصل إلى خارج المغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بشكل أكثر مردودية من البيع المباشر على مستوى دوار أرمد”.

وجوابا عن سؤال حول أسعار المنتوجات النسيجية، يوضح المتحدث أنه يُروج زرابي معدة محليا بثمن يبتدئ من ألف درهم للمتر، الأمر الذي يجعل بعضها، حسب قياساتها، تتعدى 10 آلاف درهم، مشددا على “ضرورة اهتمام المغاربة بهذا القطاع وتشجيعه لما فيه من عوائد مهمة للأسر القاطنة بالمناطق القروية”.

ويُعَد محمد متحدثا جديا باللغة الإنجليزية، على الرغم من عدم دراسته لها، بل اكتسبها فقط من خلال تجربته المباشرة مع السياح، خصوصا القادمين من بلاد “العم سام”.

وعن قصته مع تعلم هذه اللغة، يقول: “ما حفزني أكثر على تطوير إنجليزيتي هو أنني كنت أتعرض للإقصاء خلال مرافقة السياح بفعل ضعف مستواي اللغوي”، مؤكدا أنه تعلمها بدون معلم أو مراجع “ضدا في الإقصاء ورغبة في تسهيل تواصلي مع السياح”.

على هذا النحو، يبين المتحدث أن أبناءه الثمانية، “كلهم ملمون بالإنجليزية، كتابة وتحدثا”؛ فإلمامه بها دفع ابنته إلى تعلمها على مستوى الجامعة ونيل شهادة الإجازة منها، قبل أن يؤثر ذلك على الأسرة إيجابا وتصير مع مرور الزمن تتحدث هذه اللغة الأجنبية بطلاقة، بمن فيها الأبناء الذين يدرسون بالابتدائي، وذلك بشكل يقول عنه محمد إنه “أشبه بأسرة بريطانية تستقر بجبل توبقال”.

ويشرح آيت مبارك أهمية تعلم الإنجليزية بقوله: “نحن المشتغلين في مجال السياحة، لا يمكننا أن نشتغل بدون لغة إنجليزية تحديدا، باعتبارها الأكثر انتشارا على المستوى العالمي، فهي وسيطنا مع زوارنا وزبائننا، ومن دونها سيصيبنا الكساد، بالنظر إلى أن المغاربة لا يحفزون هذا النوع من التجارة ولا يشجعون السياحة القروية، عكس الأجانب”.

وعن تصوره لمستقبل أبنائه بين خيار الاستمرار في مشروع التعاونية أو دخول عالم الوظيفة، يرد آيت مبارك بأن “أحد الأبناء يشتغل حاليا معي بعد أن غادر مقاعد الدراسة، وآمل أن يستمر معي الآخرون في المجال نفسه، فنحن لا يمكننا أن نتخلى عن مجال السياحة وترويج المنتوجات النسيجية، فهي تعبر عنا، وهي من صلبنا ومن صلب ثقافتنا القروية”.

المصدر : هسبريس

إغلاق