أخبار
تقرير استراتيجي مغربي يوصي بانتقال أكثر كفاءة نحو الصناعات المستقبلية
بينما تتسارع “الثورة الصناعية الرابعة” محققة أقصى مدى لها على الصعيد الدولي في الأعوام الأخيرة، بدأ التساؤل في المغرب عن ملامح “الصناعة X.0″، وهو ما تجسد في دراسة استراتيجية للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية (IRES) تستكشف القضايا التي يجب النظر فيها من أجل وضع المملكة على مسار صناعة الغد ورسم ملامحها الممكنة.
وقارب المعهد ضمن أحدث تقاريره الموضوعاتية ودراساته الاستراتيجية راهِن ومستقبل الصناعة المغربية، مع التركيز على مسار الانتقال نحو “صناعات الغد” التي تستدمج مختلف إفرازات وتحديات الثورات الصناعية الأربع التي عاشها العالم، قبل أن تقترح الوثيقة “مساراً مصمماً لتعزيز الصناعة المغربية في عصر صناعة المستقبل”، عبر “مبادرات هادفة لتعزيز أحدث الابتكارات التكنولوجية، وتنمية الرأسمال البشري وإثرائه، وصياغة أنظمة مستدامة وأخلاقية، وضمان دعم مالي قوي ومستدام”.
واستدل المعهد بالتجارب الدولية دروساً بمثابة مفاتيح مفيدة للصناعة المغربية في مسعاها “للانتقال إلى الصناعة X.0″، موصيا بأن “يستثمر المغرب في تنمية الكفاءات والمهارات، خاصة في المجالات الخاصة بالتكنولوجيات الرقمية، مع التركيز على الابتكار ودمج التكنولوجيات الجديدة بسرعة لكي تظل قادرة على المنافسة”.
واعتبرت المؤسسة الرسمية للدراسات الاستراتيجية بالمملكة أن “دور الحكومة حيوي في وضع سياسات استباقية لدعم هذا الانتقال الصناعي المستقبلي”، مسجلة أنه “يمكن للتعاون الفعال داخل المنظومة الصناعية-بين الشركات ومؤسسات البحث والحكومة-تسريع الانتقال إلى X.0 الصناعة وتحسين القدرة التنافسية للقطاع”.
التقرير أُنجز من طرف فريق عمل بحثي مختص نسّقت أشغاله أمل الفلاح السغروشني، خبيرة مغربية في تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي الرئيسة التنفيذية للمركز الدولي للذكاء الاصطناعي بالمغرب التابع لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية أستاذة بكلية العلوم والهندسة بجامعة السوربون.
كما شارك في إنجازه كلاوس بيتز، خبير ألماني في “الصناعة المستقبلية”، وستيفان أمارغر، خبير الصناعة 4.0، كبير مسؤولي المعلومات، إضافة إلى البروفيسور فيليب بيدو، خبير في “النظم المتقدمة والروبوتات” المدير العلمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالمركز الفرنسي لأبحاث الفضاء الجوي.
انتقال نوعي
بعد استعراض كرونولوجي لتطور الصناعات عالمياً، رصد التقرير، منذ ظهور الصناعة 4.0، حدوث “نقلة نوعية في هذه الثورات الصناعية المتلاحقة”، معتبرا أن “التغيير الآن يمتد إلى ما هو أبعد من مجرد استخدام التقنيات الجديدة لتحسين كفاءة الإنتاج الضخم”.
يتعلق الأمر بـ”تصميم رؤية شاملة للصناعة، ودمج الاعتبارات والمعايير الاجتماعية والبيئية”، بحسب التقرير ذاته، مؤكدا أن “ما يحصل من تحولات لانتقال الصناعة هو أيضاً تغيير في الذهنيات والعقليات، حيث لم تعُد الكفاءة الصناعية والإنتاجية هي المعيار الوحيد الحاسم”.
وتهدف هذه “الثورات X.0” إلى إنتاج أكثر ملاءمة للبيئة، واستخدام أفضل للموارد، وتخصيص أكبر لتلبية الطلبات المحددة لزبائنها. تبنت العديد من القوى الصناعية، مثل اليابان وألمانيا والولايات المتحدة، بالفعل نسخا محددة من هذه “الثورات X.0” التي تتكيف مع صناعاتها واقتصاداتها.
وكشفت المقارنة الدولية، المقدمة في إطار الدراسة، “كيفية تعامل البلدان المختلفة، بسياقاتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والجغرافية المتنوعة، مع الثورات الصناعية وتفاعلها معها”، مبرزة أن “كل دولة تتبنى استراتيجيات التحديث الصناعي متأثرة بالعديد من العوامل مثل جودة التعليم ومستوى صناعة التعدين والطاقة وتطوير البحوث”.
وضرب التقرير المَثل بـ”سبق الدول عالية التصنيع مثل ألمانيا والولايات المتحدة في التصنيع الرقمي في عام 2011، بينما أصبحت دول أخرى على دراية بهذه القضايا في الآونة الأخيرة، قبل أن تعطي نماذج للبلدان المختارة –كعيّنة-، من أوروبا وآسيا وأفريقيا والأمريكتيْن، تمر بمراحل مختلفة من تنفيذ استراتيجياتها الوطنية لتحديث الصناعة”.
مرحلة انتقالية
حسب معدّي التقرير، أشار “تقييم نضج الصناعة المغربية في المستقبل” إلى أن البلاد تمرّ بمرحلة انتقالية رئيسية وتحتاج إلى اتخاذ تدابير مهمة لضمان القدرة التنافسية للقطاع على المدى الطويل.
وسجل التقرير أنه “على مدى السنوات الـ15 الماضية، نَفّذ المغرب نهجا قطاعياً للنمو الاقتصادي يهدف إلى تسريع التصنيع وتعزيز الاندماج في سلاسل القيمة العالمية. وعلى الرغم من التقدم الكبير المحرَز، إلا أن تنفيذ هذه الخطط قد أعاقته التحديات المتّصلة بالتنسيق المحدود مع السياسات العامة الأخرى في المجالات التي تؤثر على التعليم والبحث العلمي”.
“لا توجد حالياً استراتيجية مخصَّصة مباشرة للصناعة المستقبلية في المغرب”، ولكن بالنظر إلى الاعتماد السريع للتكنولوجيات الرقمية في الصناعة على مستوى العالم، شدد التقرير على أنه “من الضروري أن تنتقل الصناعة المغربية من صناعة تقوم أساسًا على الخارج وعلى أن تستفيد من تكلفة الإنتاج إلى صناعة مبتكرة في طليعة التكنولوجيا. وتتطلب التحديات المتبقية في مجالات عديدة اتحاداً لجهود العديد من الجهات الفاعلة ذات الصلة بالقطاع، في إطار استراتيجية صناعية ملموسة ومتماسكة بالتآزر مع القيود المحلية”.
تصور الشركات
بناء على الاستبيان الذي أعدّه المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية (IRES) في إطار هذه الدراسة، لتوفير “مؤشرات دالة حول معرفة وفهم صناعة المستقبل بين الشركات المغربية”، فإن “88 في المائة من الشركات التي شملها الاستطلاع على دراية بصناعة المستقبل، وهو مؤشر مشجع على الوعي بالتحولات الرقمية والآلية في القطاعات الصناعية في المغرب”.
ومع ذلك، يستدرك المصدر البحثي نفسه، فإن “إلمام الشركات بمفهوم صناعة المستقبل يختلف باختلاف حجم وقطاع الشركة”. بينما تعتقد 15% فقط من الشركات أن “لديها مستوى عالٍ من الرقمنة”، مما يؤشر “إما إلى نقص الموارد أو التحديات التكنولوجية أو التنظيمية”.
وأجرت الدراسة تقييماً لـ”معدل اعتماد صناعة المستقبل بين الشركات المغربية”. ووفقًا للنتائج، فإن أن 45٪ من الشركات التي شملها الاستطلاع تحاول حاليًا تنفيذ مبادرات المستقبل المتعلقة بالصناعة، ما يدل على نهج استباقي وإيجابي لتحديث الصناعة واتجاهها في المستقبل.
ومع ذلك، فإن تنفيذ صناعة المستقبل لا يخلو من تحديات؛ إذ لوحظ أن 25% من الشركات تجري جهود الرقمنة بشكل مستقل، مما قد يحد من فوائد صناعة المستقبل التي تتطلب نهجًا أكثر تكاملاً. علاوة على ذلك، تظهر النتائج أن 6٪ فقط من الشركات قد دمجت بشكل كامل مفاهيم الصناعة في المستقبل، مما يشير إلى أنه يتم إحراز تقدم نحو التبني الكامل بوتيرة تدريجية.
كما استكشف المسح البحثي ذاته “دوافع الشركات المغربية لتبني صناعة المستقبل”، خالصاً إلى أن هذه الدوافع “تتماشى مع الأهداف الاقتصادية الوطنية، لا سيما في حالة المشاريع في القطاع الثانوي”. وفصّل قائلا: “على وجه الخصوص، تهدف 7% من الشركات إلى زيادة القدرة التنافسية، بينما تسعى 15% إلى التميّز في السوق، حيث ترى صناعة المستقبل كأداة استراتيجية لتحسين الكفاءة التشغيلية والتمييز بين عروضها”.
فيما يتعلق بتنفيذ “Industry of the Future”، قيّمت الدراسة “توافر واعتماد جوانبها الرئيسية بين الشركات المغربية”، لتستنتج أنه “على الرغم من أن غالبية الشركات (65%) لديها معرفة بالصناعة 4.0، إلا أن الاعتماد العملي لهذه التقنيات أقلّ بكثير”.
وأوصت الدراسة، ضمن أبرز خلاصتها، بـ”وضع إطار تنظيمي مناسب لدمج التكنولوجيات المتقدمة، من أجل ضمان الاستخدام الأخلاقي والآمن لهذه الأدوات، مع ضمان القدرة التنافسية للبلد”. كما اقترحت “تنظيماً أكثر صرامة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مما يشجع الشركات الصناعية على الاستثمار في تقنيات أنظف وأكثر كفاءة”.
المصدر : هسبريس