سياسة وعلاقات دولية

فيتش” ترصد سيناريوهات المنافسة والاستثمار للبنوك المغربية بالقارة الإفريقية

فتحت الانسحابات المتتالية للبنوك الفرنسية من الأسواق الأفريقية آفاقا جديدة للنمو بالنسبة للمجموعات البنكية الثلاث الكبرى في المغرب التي تتوفر على فروع وامتدادات في القارة السمراء، ويتعلق الأمر بـ”التجاري وفا بنك” و”البنك المركزي الشعبي” و”بنك أفريقيا”، فيما رفعت منسوب المنافسة في المقابل مع البنوك الجنوب إفريقية والنيجيرية، مثل مجموعتي “فيستا” و”كوريس بنك”، التي تراهن هي الأخرى على التوسع في السوق القارية خلال هذه الفترة.

وحمل تحليل جديد صادر عن وكالة التصنيف الائتماني الدولية “فيتش رايتينغ” معطيات تشير إلى أن خروج البنوك الفرنسية من أفريقيا، الذي يقترب من نهايته، يمنح المجموعات البنكية الأفريقية الناشئة فرصة كبيرة للنمو، سواء عضويا أو من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ، موضحا أن هذا الوضع من شأنه تحفيز المنافسة وتعزيز موارد البنوك الأفريقية، رغم بعض التحديات الظاهرة على المدى القصير.

وسلطت وكالة التصنيف الدولية ذاتها، التي يوجد مقرها في لندن، الضوء على العملية المالية الأخيرة التي استحوذت بموجبها مجموعة “سهام” على حصة “الشركة العامة فرنسا”، البالغة 57.67 في المائة، في رأسمال “الشركة العامة المغرب”، في صفقة ضخمة بقيمة 745 مليون يورو، موضحة أنه خلال ستة أشهر الماضية فكرت المجموعة البنكية الفرنسية في بيع 52.34 في المائة من حصصها في فرعها “الاتحاد الدولي للبنوك” بتونس، في الوقت الذي سجلت السنوات العشر الأخيرة انسحابا تدريجيا لمجموعات “بي إن بي باريبا” و”BPCE” و”القرض الفلاحي فرنسا” من القارة السمراء، مع توقعات بالمزيد من عمليات البيع خلال السنتين الجارية والمقبلة في ظل وجود عروض مالية مغرية للبنوك البائعة.

توقعات سلبية

كشف تحليل “فيتش رايتينغ” توقعات سلبية بالنسبة للفروع الأفريقية للبنوك الفرنسية المنسحبة خلال الفترة المقبلة، في إشارة إلى “الشركة العامة المغرب”، مبرزا أن الشركات التابعة التي تم بيعها ستواجه تحديات عدة، باعتبار امتلاكها قدرة أقل على تحمل المخاطر مقارنة مع المنافسين المحليين، بالإضافة إلى أن خروج المساهمين الأجانب ذوي التقييم العالي غالبا ما يكون سلبيا من الناحية الائتمانية للشركات التابعة. وهو الأمر الذي ظهر من خلال منح “الشركة العامة” تصنيف “مراقبة مع تقييم سلبي”، ذلك أنه عند إتمام البيع، يؤخذ بعين الاعتبار الدعم المحتمل من المجموعة الأم، بما يرجح تخفيض التصنيف.

وتعليقا على هذا التحليل، أوضح سليم شهابي، مستشار بنكي، أن مجموعة “سهام” ينتظرها عمل مهم خلال الفترة المقبلة، بعد الحصول على التراخيص اللازمة، خصوصا ترخيص بنك المغرب، في المحافظة على التوازن المالي للبنك الذي اقتنت غالبية أسهمه، مؤكدا أن البلاغ الصحافي الصادر بشأن الإعلان عن الصفقة حمل مجموعة من الإشارات المطمئنة المرتبطة باستمرار التعاون بين المجموعة الأم “الشركة العامة فرنسا” والمشتري الجديد، خصوصا فيما يتعلق بمحفظة الزبائن الدوليين وحركة الرساميل.

وأضاف شهابي، في تصريح لهسبريس، أن انسحاب مجموعة بنكية من رأس مال فرعها عموميا، يمكن أن يؤدي إلى فقدان الدعم المالي والموارد التي كانت توفرها المجموعة الأم ويتسبب قي زيادة الضغوط على قدرات الفرع المالية، خاصة إذا كان يعتمد بشكل كبير على دعم الأم لتلبية احتياجاته المالية، مثل توفير رأس المال اللازم للإقراض أو تمويل النشاطات التجارية، مؤكدا في السياق ذاته وجود تأثيرات على تنافسية البنك الفرعي في السوق المحلية، حيث إن المجموعة البنكية الأم توفر ميزة تنافسية مهمة، مثل القدرة على تقديم خدمات متميزة أو التمتع بسمعة قوية في السوق، منبها إلى أنه في هذه الحالة قد يجد الفرع نفسه في موقف أقل تنافسية، ما قد يؤثر على قدرته على جذب الزبائن وتحقيق النمو.

في المقابل، أكد المستشار البنكي نفسه أن الانسحاب من رأس مال بنك فرعي من شأنه فتح الباب أمام فرص جديدة لهذا الفرع من أجل تحسين استقلاليته المالية، وتوسيع نطاق أعماله، موضحا أن هذا الأمر سيقوده إلى التركيز على تطوير مزيد من الشراكات المحلية أو تبني استراتيجيات جديدة لتحسين خدماته وتوسيع قاعدة زبائنه.

منافسة شرسة

اشتعلت شرارة المنافسة بين المجموعات البنكية المغربية ذات الامتداد القاري ومجموعات أفريقية أخرى بعدما أنجزت مجموعة “فيستا” عمليات استحواذ على مجموعة من فروع أفريقيا، بينها شركات تابعة لـ”الشركة العامة فرنسا”، ما عزز حضورها في 16 بلدا، موازاة مع شراء مجموعة “كوريس بنك” فرع المجموعة الفرنسية في تشاد في يناير، وانتظار موافقة السلطات الموريتانية على حيازة فرع آخر، وبالتالي ترسيخ الحضور في 11 بلدا، الأمر الذي يعزز التوقعات باحتدام المنافسة بين هؤلاء الفاعلين البنكيين حول أسواق القارة خلال الفترة المقبلة.

وبالنسبة إلى محمد أمين الحسني، خبير اقتصادي، فإن انسحاب المجموعات البنكية الفرنسية من بعض الأسواق الأفريقية يظهر فرصا جديدة للمجموعات البنكية المغربية الكبرى لتوسيع نطاق حضورها وتعزيز تأثيرها في القارة السمراء، موضحا أن التوسع الجغرافي المحتمل للبنوك المغربية في ظل سياق تنافسي محتدم مع الفاعلين القاريين الآخرين سيجعلها عرضة للضغوط من أجل تبني التكنولوجيا والابتكار في خدماتها المالية لتنافس بشكل فعال في الأسواق، خصوصا على مستوى الخدمات وجذب الزبائن.

وشدد الحسني، في تصريح لهسبريس، على أهمية الخدمات المالية الرقمية في المنافسة، حيث يمكن للمجموعات البنكية المغربية استخدام هذه الخدمات كوسيلة للتميز التنافسي، مثل التطبيقات البنكية الذكية والدفع الإلكتروني، وذلك لجذب زبائن جدد وتحفيز النمو في الأسواق الأفريقية، مؤكدا ضرورة التوجه نحو القطاعات الناشئة من خلال استهداف المقاولات الصغرى والمتوسطة في الأسواق الأفريقية بعروض ائتمانية مغربية، ما يسهم في تعزيز الابتكار وإحداث فرص جديدة للنمو.

وركز الخبير الاقتصادي ذاته، في تعليقه على مضامين تحليل “فيتش رايتينغ” الجديد، على أهمية التعاون والشراكات، متوقعا أن تلجأ المجموعات البنكية المغربية إلى التعاون مع البنوك الأفريقية المحلية الأصغر حجما، من خلال الشراكات والتحالفات، مما يمكنها من الاستفادة من خبرتها المحلية وتقديم خدمات بنكية مخصصة للسوق المحلية، بما يخدم حظوظها التنافسية في مواجهة المجموعات القارية الكبرى.

إغلاق