أخبارالإقتصاد

رقعة الابتعاد عن طقوس عيد الأضحى تتسع وسط الطبقة المتوسطة بالمغرب

لاحظ علماء اجتماع وأكاديميون أن نسبة “لا بأس بها” من الأسر المغربية المسلمة ما فتئت “تخرج” من أفق مجمل السلوكات المرتبطة بعيد الأضحى؛ فقد بدأت أطراف من الطبقة المتوسطة، منذ سنوات عديدة، تلتحق بنظيرتها الثريّة في العزوف عن إحياء الشعيرة بوصفها “سنّة مؤكدة”، لتحوّل أيام العيد “لاستراحة سنوية”، على الرغم من إمكانية “حضور الشعور بأهمية الطقس الاجتماعي رمزيا”.

ومع توالي السنوات، اتضح أن العديد من الأسر تفضل منح الأضحية لأسر معوزة؛ غير أن “إحياء العيد لا يشكل إغراء كبيرا بالنسبة إليها”، خصوصا أن التحولات القيمية التي صارت تعتمل في قلب المجتمع المغربي كان لها “مفعول” في اتساع رقعة “العزوف”. وهي ملاحظات عينية يقدمها سوسيولوجيون وأنثروبولوجيون مغاربة، ولو كانت في حاجة إلى بيانات رسمية توضّح الصورة أكثر.

“خيار موجود”

محسن بنزاكور، الأخصائي البارز في علم النفس الاجتماعي، اختار، وهو يحاول التدليل على تنامي غياب الإقبال على “العيد الكبير” لدى نسبة غير يسيرة من المغاربة، أن يستدعي مثال الدار البيضاء التي “تفرض علينا تفسيرين”: العاملون بالبقالة وأسواق الجملة الذين يغادرون نحو عائلاتهم لقضاء العيد، وأيضا القاطنون بشكل أصلي في الدار البيضاء ويغادرونها نحو مدن أخرى فقط للاستجمام والانفلات من طقوس عيد الأضحى.

وقدم بنزاكور، وهو يشرّح الظاهرة لهسبريس، “دليلا آخر” يتصل بـ”معطيات الفنادق التي تقول إنها تتلقى حجوزات عالية خلال أيام العيد، لاسيما الأسر الميسورة. كما أن هذه المؤسسات الفندقية في حد ذاتها تتخذ من العيد فرصة لتقديم عروض مغرية بأن خدماتها تضمن طقوس وتقاليد العيد في المغرب؛ ولولا وجود الطلب لما كان العرض بهذا الشكل، وهذا دليل آخر على أن قدسية العيد بدأت تتراجع تدريجيا.

بيد أن ما يركز عليه المتحدث لا يرتبط أساسا بالطبقة الميسورة، بل أيضا بجزء مهم من الطبقة المتوسطة التي “ارتفع وعيها وشرعت في تطوير العلاقة مع سنة مؤكدة ليست من الفرائض”. وزاد: “هذه الطبقة بحكم ما توفر لها مع المعرفة أدركت أن هناك ضمانات، فالنبي ضحى للمسلمين وأمير المؤمنين يضحي للمغاربة والإمام يضحي لساكنة المدينة، ومن ثم لا يوجد أيّ حرمان من الأجر؛ ولا يستقيم أن تنحر أسرة أضحية وهي لا تودّ ذلك، ولهذا عائلات كثيرة تتصدق بالأضحية.

ووفق المتحدث، فإن الذين مازالوا يتمسكون بعيد الأضحى هم الطبقة الفقيرة والهشة، رغم أنهم يتابعون النقاش. فرحة العيد لها مكانة اعتبارية ومعيارية في أفق هذه الشرائح، لكونها تعتبر ذلك اليوم هو الفرصة لدخول اللحوم الحمراء إلى البيت بعدما كانت طيلة السنة غائبة بفعل الأثمنة. هذا جعل العلاقة بعيد الأضحى في المغرب اجتماعية أكثر منها دينية. وأورد: “الطبقة الفقيرة ليست لديها القدرة على اتخاذ القرار بما يفرضه من حرمان”.

وتساءل بنزاكور في هذا الصدد: مع هذا “الغلاء الفاحش” والمضاربة والشناقة.. أليس ضروريا اليوم أن تتجهز الطبقة الفقيرة مثل المتوسطة والميسورة بمعرفة أن الشرع من مقاصده رفع الحرج عن الناس، والله يقول “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”؟ وختم قائلا: “هي طبعا ستتخذه مكرهة بالنظر إلى الأثمنة الخيالية وأسر عديدة لن تستطيع شراء “العيد”؛ غير أنها تحتاج أن تقتنع في النهاية بأنها مجرد سنة مؤكدة.

“متغيرات كثيرة”

المصطفى الشكدالي، أكاديمي وأخصائي في علم النفس الاجتماعي، قال إن فهم “الظاهرة” يستدعي أولا الفصل بين الدين والتدين، والأخير هو السمة الغالبة في ممارسة الدين؛ وحينما نمارسه بطرق ومعتقدات اجتماعية يأخذ منحى فيه نوع من الخروج عن القيمة التي يحملها؛ وعيد الأضحى في أصله وجد للتآزر بين الأسر وبين الفئات الاجتماعية”، وسجل أن “أسرا ميسورة عديدة لم تعد تجد هذا المعنى، فتوقفت عن الممارسات المرتبطة بالعيد، وخرجت من طقوسية أصبحت “لا تليق بها” إن صح هذا التعبير”.

وربط المتحدث هذا الإقبال على بـ”تحولات طارئة على مستوى المجال وتسببت في تحولات اجتماعية عميقة، خصوصا السكن العمودي والسكن في الإقامات المشتركة”، موضحا أن هذا النوع من السكن جعل الطقوس والشعائر المرافقة لنحر الأضحية شيئا لم يعد مناسبا؛ وهو ما يكرس وجهة نظر مطروحة، وهو أن الأسر النووية قد لا تتناسب مع ذبح الأضاحي.

وعلى غرار بنزاكور، تسلّح الشكدالي بـ”عامل الوعي” لتفسير التصرف أو السلوك الاجتماعي الذي حسبه بات “يظهر شيئا فشيئا”، موضحا أن القدرة على استيعاب معنى سنة مؤكدة والتصرف وفق هذا الفهم يخول التحرك بمساحات تلتقط الأساسي في الدين وهو الفرائض؛ ولكنها لا تتعسف تجاه السنن، وإنما هو بحث عن توافقات في المسار الاجتماعي الذي ينقب عن معنى للأشياء، ومن المثير هو أننا صرنا نسمع اليوم: “حنا كنعيدو غير على لولاد…”.

وتطرق المتحدث عينه إلى مشكلة “الرقمية وعيد الأضحى”، حيث صار العيد مجرد وسيلة للتباهي والتقاط الصور مع الأضحية؛ وهو ما واصل تغييب وقتل المعنى الذي تواطأ بشأنه المغاربة القدامى وكان محفزا لإحياء “العيد الكبير” بالكثير من الحماس، معتبرا أن مختلف هذه العناصر “المستجدة” دفعت العديد من المغاربة وهم مسلمون إلى التخلي عن طقوس لم تعد تشبههم؛ لكن بدون أي شعور بالإقصاء وبدون أي شعور بتأنيب الضمير، لأنها سنة مؤكدة.

المصدر : هسبريس

إغلاق