أمام الملك محمد السادس، استُعرضت “التوجهات الإستراتيجية السبع للسياسة المساهماتية للدولة”، من قبل نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، التي أطرت إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية في سياق تنفيذ التوجيهات الملكية، مبرزة أنه إصلاح “يهدف إلى إعادة تشكيل المحفظة العمومية وتحسين تدبيرها”، فضلا عن “تنفيذ الإصلاحات في بعض القطاعات الرئيسية للاقتصاد الوطني، لضمان “خدمة عمومية سهلة المنال وعالية الجودة، وتسريع ورش إعداد السياسة المساهماتية للدولة”.
وحسب مخرجات المجلس الوزاري، المنعقد السبت بالدار البيضاء، فالسياسة المساهماتية للدولة هي إحدى “الركائز الأساسية لمشروع إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية”؛ وهو الورش المعهود به إلى الوكالة الوطنية المكلفة بالتدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة. كما أنها “تعكس التوجهات الإستراتيجية والأهداف العامة لمساهمة الدولة، ودورها في حكامة المؤسسات والمقاولات العمومية، وطريقة تنفيذ هذه السياسة”.
وبعد خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة (أكتوبر 2020)، الذي كان قد شدد خلاله الملك على “اعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، وإصلاح مؤسسات القطاع العام”، يبدو المغرب مستعدا لتسريع وتيرة تنزيل هيكلة السياسة المساهماتية للدولة المتمركزة حول 7 توجهات إستراتيجية.
في التفاصيل، تسعى الدولة إلى “تكريس قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية كرافعة إستراتيجية لتعزيز السيادة الوطنية: من خلال دعم جهود الدولة في مجموعة من القطاعات الحيوية، لاسيما الطاقة والصحة والماء والأمن الغذائي والبيئة والاتصال والتنقل”، فإنها ستجعل من هذا القطاع “مُحركا للاندماج القاري والدولي”.
التوجه الثالث لهذه السياسة “اعتمادُ قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية كركيزة أساسية للنهوض بالاستثمارات الخاصة (إقامة شراكات إرادية مع القطاع الخاص، في إطار من التكامل وتعزيز مساهمة القطاع الخاص)، وجعل تلك المؤسسات “عامل تحفيز لاقتصاد تنافسي ووسيلة لتقاسم القيمة المضافة وتعزيز فرص الشغل المنتِج”.
وتمت المصادقة على اعتماد القطاع “كفاعلٍ نشيط في العدالة المجالية، وفي خدمة الإدماج الاقتصادي والاجتماعي والمالي والرقمي”، مع منحه صفة “مدبر مسؤول للموارد، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة”.
أما التوجه السابع، فيهمّ “تعزيز الدور النموذجي لقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية من حيث الحكامة وحسن الأداء”، عبر “إرساء تدبير نَشِطٍ لمِحفظتها وتدعيم مساهماتها أو وضع سياسة للتخلي عن بعضها، بهدف تثمين أمثل للممتلكات المادية وغير المادية للمؤسسات والمقاولات العمومية وتحسين نجاعة أدائها”.
معنى ودلالات الهيكلة
زين الدين عبد المغيث، أستاذ المالية العامة والضرائب بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، أوضح أن “هيكلة السياسة المساهماتية للدولة تعني إعادة تنظيم وتخطيط كيفية تقديم الدولة للدعم المالي أو غير المالي للمشاريع والمؤسسات المختلفة، ضمن إطار سياسي شامل ومستدام”، مفيدا ضمن تحليله لجريدة هسبريس بأن “هذه العملية تهدف إلى تحسين فعالية ونجاعة وكفاءة توزيع الموارد العامة بما يحقق أهداف التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية”.
الهيكلة قد تشمل، حسب عبد المغيث الذي يشغل عضوية منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، “تحديد الأهداف الاستراتيجية” من خلال “وضع رؤية وأهداف واضحة للمساهمات تتماشى مع الخطط الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
كما أكد الأستاذ الجامعي المتخصص في المالية العامة والضرائب أن الهيكلة المصادق عليها تؤكد “تطوير معايير استحقاق”، تتمثل في “تحديد شروط ومعايير دقيقة لتقديم المساهمات بناء على احتياجات المشاريع وقدرتها على تحقيق الأهداف المحددة”.
وتابع المتحدث ذاته شارحا بأن “إجراءات المراقبة والتقييم” تشمل “وضع آليات لقياس تأثير المساهمات والتأكد من استخدامها بشكل صحيح وفعال”، مسجلا حتمية “تعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمساءلة” من خلال “التأكد من وجود نُظُم رقابية ومُحاسَبية لتجنب الفساد وضمان الاستخدام الأمثل للموارد المرصودة”.
“وبالتالي، تهدف هيكلة السياسة المساهماتية إلى تحقيق توزيع عادل وفعال للمساهمات بما يدعم التنمية المستدامة ويُحسن من الأداء العام للدولة في تقديم الدعم للمشاريع والمبادرات المختلفة”، أجمل الخبير الاقتصادي نفسه.
“الذراع الرئيسية لتدخلات الدولة”
من جهته، أكد عبد الرزاق الهيري، مدير مختبر “تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية” بكلية علوم الاقتصاد بفاس، أن “إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية يجد أهميته القصوى في حقيقةٍ مفادها أنها الذراع الرئيسية لتدخلات الدولة في مجموعة من المجالات”.
وقال الهيري، ضمن إفادات شارحة لهسبريس، إن “إصلاح هذا القطاع يأتي في إطار تسريع تحقيق أهداف النموذج التنموي الجديد (وضعَ أفق 2035) وفي إطار استعدادات المملكة المغربية لاحتضان تظاهرات رياضية كبرى، أضحت تَستلزم مجهودات استثمارية كبرى، تُمكن من جعل المغرب وجهة استثمارية واعدة”.
وذكر أستاذ الاقتصاد بأن “إصلاح قطاع المؤسسات العمومية ليس سوى لَبِنة في إطار التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، ويهدف إلى تنمية الاستثمارات العمومية أو تلك المتأتية من القطاع الخاص”، وزاد مفسرا: “لأن هذا ما يسمح بخلق فرص شغل منتِجة، خصوصا أن المغرب يعرف في السنتين الأخيرتين ارتفاعا في نسبة البطالة وانخفاضا في مستويات النمو الذي يبقى دون التطلعات ودون حجم المجهود الاستثماري الذي تقوم به الدولة وتم الرفع من غلافه المالي”.
نجاعة التدبير وتقييم الأداء
شرح الهيري بأن “الإصلاح يهدف إلى تعزيز شراكات دولية، خصوصا مع باقي دول إفريقيا في إطار من التعاون الثنائي جنوب-جنوب”، مستحضرا “ريادة المغرب في مجال التعاون الاقتصادي مع باقي دول القارة الإفريقية في إطار نهج رابح–رابح دشنه في العقد الأخير”.
كما شدد على أن “تحقيق العدالة المجالية” يظل جوهر هذا الإصلاح وإحدى ركائزه، “خاصة أن عددا من التقارير المعتمدة أفادت بأن هناك توزيعا غير عادل للمجهودات الاستثمارية لهذه المقاولات العمومية ما بين الجهات؛ ما استدعى الانتباه إلى توزيع عادل للمجهود الاستثماري، ليتمكن المواطن من الاستفادة من ذلك في جميع الجهات”، وفق تعبيره.
الخبير الاقتصادي نفسه لم تفته الإشارة إلى “تعزيز إرساء السيادة الوطنية الاقتصادية في مجموعة قطاعات مُحددة بصراحة في إطار التوجه الاستراتيجي الأول (الصناعة، الصحة، الرقمنة، الطاقة والغذاء..)؛ وهو اهتمام برز بعد جائحة كورونا”، مبرزا أن “الاستعمال الأمثل والتدبير الأنجَع للموارد التي يتوفر عليها المغرب من أجل بلوغ هدف “خدمات عمومية ذات جودة عالية” يستفيد منها المواطنون في جميع ربوع الوطن هدف أساس لهذا الإصلاح.
غير أن الهيري استدرك بالقول: “لا يمكن تحقيق إصلاح القطاع العمومي ومؤسساته إلا باعتماد مبادئ الحكامة وحسن الأداء، كما نصت على ذلك مقتضيات التدبير العمومي الجديد القائم على ثلاثية البرامج والأهداف ومؤشرات تقييم الأداء”.
المصدر : هسبريس