سياسة وعلاقات دولية

إنجاز محطات لتحلية المياه يجنب المغرب سيناريوهات العطش في المستقبل

شكل إشراف ولي العهد الأمير مولاي الحسن، أمس الإثنين بجماعة المهارزة الساحل بإقليم الجديدة، على إعطاء انطلاقة أشغال إنجاز محطة تحلية مياه البحر للدار البيضاء، “محرّكا قويّا” لوجهات نظر الباحثين في الشأن المناخي والمائي الذين تحدثوا عن “ريادة قاريّة” ستنقل إليها هذه المحطة المغرب عند الانتهاء من إنجازها، لكونها ستغطي قدرة إنتاج سنوية تبلغ 300 مليون متر مكعب، وستستفيد منها ساكنة يقدر تعدادها بـ7.5 ملايين شخص.

وتوقع الباحثون الذين تحدّثوا لهسبريس لبسط أهمية هذه المحطة كـ”بناء إستراتيجي للخطط المغربية في كل القضايا التي تشكل تحديا مشتركا”، (توقعوا) أن تضع البلد في “قلب الدول المرجعية التي يؤخذ برأيها، سواء داخل الأفق الإفريقي أو الشرق أوسطي؛ وهي المناطق التي يمكن أن تتجه إلى هذه المشاريع”، مسجلين أن “المغرب كان دائما يحبّذ تبادل الخبرة في مختلف المجالات، خصوصا تلك التي تتعلق بتحديات وجودية مثل مادّة الماء”.

ولم يغفل هؤلاء أهمية التركيز مرة أخرى على الطاقات المتجددة التي “لم تترك خياراً” أمام العالم الذي يسعى إلى الهروب من مخلّفات “مذبحة المناخ”، لاسيما أن “المحطة الجديدة، التي تقدر تكلفة إنتاج الماء الشروب بها بـ4,48 درهما/متر مكعب، ستُزوّد بـ100 بالمائة من الطاقات المتجددة، فيما سيتم تسييرها أوتوماتيكيا بالكامل”؛ وهو ما يعني أن الإستراتيجية المغربية باتت ربما “حاسمة وصارمة في هذه النقطة”.

المغرب “لاعب رئيسي”

علي شرود، جامعي وباحث في المشاريع المائية والمناخية، ربط أهمية هذه المحطة، التي ستكون الأضخم في إفريقيا عند إنجازها، بـ”سياق ارتفع فيه الطلب على الماء، بالنظر إلى ندرة التساقطات والضغط على الموارد المائية الموجودة”، مشيرا إلى “ارتفاع الحاجة وفقا لذلك، أمام توفر المغرب على 3 آلاف و500 كيلومتر من الساحل، لكي ينفتح البلد الشمال إفريقي على الخيارات غير الاعتياديّة: تحلية المياه المالحة التي تشكل هذه المحطة أحد أبرز وجوهها”.

وأورد شرود، ضمن توضيحات قدمها لهسبريس، أن المشروع الذي يأتي في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي أطلقه الملك سنة 2020، من شأنه أن “يجعل المغرب لاعبا رئيسيّا في قضايا الماء على المستوى القاري والدولي”، مؤكدا أن “محطة من هذا النوع الضخم من شأنها أن تقلب المعايير لصالح المغرب، إذ من المتوقع أن تصير نموذجاً بالنسبة لباقي الدول التي يمكن أن تمرّ من الظروف المناخية نفسها التي يعرفها البلد، وجعلت الطلب على الماء يتصاعد”.

ولم يفصل المتحدث المشروع عن المشاريع الأخرى التي تشكل وفقه “ثلاثيّ المستقبل”: ربط الأحواض المائية وإعادة تدوير المياه العادمة، ثم تحلية مياه البحر. وزاد: “كلّ هذه المشاريع التي اختارها المغرب أساسية تحت إشراف ملكي لنخلق ملايين الأمتار المكعبة من المياه عبر تقنيات جديدة رأينا نتائجها الحقيقية مثلا في إسبانيا، التي تبنّت مبكراً مشاريع تحلية مياه السواحل”، مشدداً على أن “المحطة من المتوقع أن تنهي المخاوف بخصوص العطش في الدار البيضاء ونواحيها”.

وعدّ شرود ضمن حديثه 300 مليون متر مكعب سنويا بمثابة “معادل للمخزون الاحتياطي لبعض السدود في المملكة”؛ وهذه، حسبه، “كمية هائلة من المياه تقرب المغرب من الطرح المناخي الذي يتجه نحوه العالم، وهو توفير الأمن المائي”، وأورد: “المغرب كان يعي أن تحلية المياه تقنية مكلفة وتحتاج جرأة سياسية وتقنية كبيرتين، ولكنه تحلى بهذه الجرأة عبر مواكبة ما يجري في العالم من تحولات، ولهذا أتصور أن المحطة الجديدة ستنقلنا إلى بر الأمان على المستوى المتوسط وستوفر أمناً مائيا يفترض أن يكون مضمونا وفق التقديرات الأولية”.

تكنولوجيا وقوة

مصطفى بنرامل، باحث في المناخ والهندسة المائية، قال إن “قوة هذه المحطة تكمن في اعتمادها على مجموعة من التكنولوجيات الحديثة، ومن أهمّها تقنيات تقليص فاتورة الكهرباء والاعتماد على الطاقة المتجددة؛ وبالتالي هي صديقة للبيئة”، منوها بالكميات “الهائلة” من المياه التي سوف تقوم بتوفيرها لفائدة سكان الدار البيضاء التي تعرف إشكالات على مستوى توفر المادة الحيوية، وزاد: “والمشروع يعدّ مهمّا نظرا للتراجع المهول للتساقطات المطرية وتراجع حقينة سدود المنطقة”.

واعتبر بنرامل ضمن قراءة للمشروع قدمها لهسبريس أن “المحطة تعدّ أساسية وفاصلة من أجل تزويد وتأمين منطقة الدار البيضاء بمياه صالحة للشرب بجودة عالية”، مبرزا أن “هذا المشروع يتعين أن يكون انطلاقة لمشاريع أخرى في شواطئ أخرى؛ وذلك ضمن مسار الانفتاح على المشاريع والحلول غير الاعتيادية، مثل الطرق السيارة للماء وربط الأحواض وإعادة تدوير المياه العادمة وتسخيرها في عملية سقي الفضاءات الخضراء وملاعب الغولف وغيرها”.

وسجل المتحدث ذاته أن المحطة “ليست ترفاً”، لاسيما أنها “أتت لحل معضلة بنيوية جراء تعرض السدود لظاهرة توحل منهكة لقدراتها على تخزين الماء”، مؤكدا أن “الموارد المائية المياه الجوفية عرفت استنزافاً كبيراً، والموارد السطحية عرفت تراجعا بيّناً بفعل تغير المناخ وتراجع التساقطات المطرية، ومحطة الدار البيضاء بوصفها الأضخم في القارة يمكن أن تعزز الاحتياط الوطني من المياه في السنوات التي تعقب انطلاق عملها”، وتابع: “لا غنى عن المحطة ومثيلات لها في مسار تعزيز أمننا المائي”.

وأكد الباحث نفسه أن “المشروع سيكون نقطة ضوء في القارة الإفريقية”، حين يبلغ النتائج المرجوة من ورائه، من خلال تخفيف الضغط على المياه الجوفية والمياه السطحية، وبالتالي “ستكون هذه المياه أيضا فاعلاً لتجديد دورة المياه على مستوى الكرة الأرضية”، وبالتالي محطات معالجة المياه المالحة ستكون من الدعامات الأساسية للمغرب لكي يكون رائداً، خصوصا أن تأهيل الواجهة الأطلسية يتيح تقاسم التجربة من هذه البلدان المحادية لهذا الفضاء الساحلي”.

محطة إستراتيجية

المحطة الجديدة، التي ستمكن من تلبية الطلب المتزايد على الماء بالدار البيضاء الكبرى ومدن سطات وبرشيد والبير الجديد والمناطق المجاورة، ستنجز من خلال شطرين، على قطعة أرضية تبلغ مساحتها 50 هكتارا، وستكلف استثمارا إجماليا يبلغ 6.5 مليارات درهم، تمت تعبئته في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص، وفق البطاقة التقنية للمشروع.

وحسب المصدر ذاته فإنه “خلال الشطر الأول، الذي يرتقب أن يشرع في استغلاله في نهاية سنة 2026، ستبلغ القدرة الإنتاجية 548 ألف متر مكعب من المياه المعالجة يوميا (200 مليون متر مكعب سنويا)، لترتفع هذه القدرة الإنتاجية في الشطر الثاني الذي سيشرع في استغلاله في منتصف سنة 2028 إلى 822 ألف متر مكعب يوميا، أي 100 مليون متر مكعب إضافية سنويا، منها 50 مليون متر مكعب للاستعمال في قطاع الفلاحة”.

كما يهم هذا المشروع الهام إنجاز وحدة لتحلية مياه البحر بتكنولوجيا التناضح العكسي، وإرساء منظومة نقل مياه الشرب انطلاقا من هذه المحطة، بتكلفة 3 مليارات درهم ممولة من القطاع العام، وتتكون من 3 محطات للضخ، و3 خزانات، وشبكة توزيع يناهز طولها 130 كيلومترا من قنوات الجر.

وستضم محطة تحلية مياه البحر للدار البيضاء، وهي من الجيل الجديد، قناتين لجلب مياه البحر على طول 1850 مترا، وقناة لتصريف المياه على طول 2500 متر، ومنشآت التناضح العكسي ومضخات الضغط العالي، ومنشأة لمعالجة الأوحال، ومحطة للتحكم والتدبير، ومحطات لضخ مياه البحر، وخزان للمياه المحلاة.

إغلاق