أخبار
بنعبد الله: المغاربة يخاصمون السياسة .. و”الدفاع عن كل شيء” يضر المؤسسات
قال محمد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إن “المغرب عرف طفرة إصلاحية هامة، أساسًا منذ منتصف التسعينات، حيث برزت إصلاحات قوية في كل المجالات الديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية. إذ كانت السمة الأبرز لكل هذه الإصلاحات هي أنها كانت محمولة سياسيًا واستندت إلى عمق سياسي وإلى خلفية سياسية ومرجعية حقوقية، كما حركها هاجس قوي وقدرة كبيرة على التعبئة الاجتماعية وتصميم واضح على التوجه نحو دمقرطة البلاد”.
وأضاف نبيل بن عبد الله في كلمة له خلال جامعة الحزب السنوية، اليوم السبت بالرباط، حول موضوع “السياسة أولًا .. لإنجاح المشروع الديمقراطي التنموي”، التي انطلقت أرضيتها من مجموعة من أسئلة جوهرية تتعلق بنظرة المواطنين إلى الفعل السياسي وكيفية ممارسة هذا الأخير من طرف الفاعلين في الحقل السياسي المغربي، (أضاف) أن “هذا الزخم الإصلاحي الديمقراطي الذي شهده المغرب تكلل بالنجاح، نتيجة التقاء إرادتين في إطار تعاقد سياسي مثمر. يتعلق الأمر بالإرادة الملكية في التحديث والتغيير، والإرادة النضالية الحزبية لمكونات الحركة الوطنية الديمقراطية”.
وأشار الأمين العام لحزب “الكتاب” إلى أنه “في خضم هذا الزخم الإصلاحي أطلق المغرب مبادرة الحكم الذاتي التي أحدثت رجة إيجابية في مسار قضيتنا الوطنية، وما زالت آثارها الإيجابية مستمرة إلى اليوم، وهو ما يؤكد الترابط الوثيق بين أوضاع جبهتنا الداخلية ومستوى المكانة الدولية لبلادنا، أي بين التحديات الداخلية والرهانات الخارجية؛ إذ قدم هذا المقترح في أوج مسلسل الإصلاحات التي شهدتها المملكة المغربية”.
وشدد زعيم “الكتاب” في كلمته التي ألقاها بحضور زعماء عدد من الأحزاب والفاعلين السياسيين، يتقدمهم عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على أن “عدم الاستمرار في التقدم يؤدي بشكل طبيعي إلى تآكل المكتسبات؛ فاليوم لدينا مؤسسات سياسية قائمة وتعمل، لكن هناك مشكلا حقيقيا في منسوب الثقة والمصداقية وفي طبيعة الممارسات، ومدى قدرة الفضاء السياسي على خلق التعبئة الاجتماعية”.
وقال بنعبد الله: “يجب الإقرار بأننا فعلًا أمام أزمة، ليست أزمة سياسية، ولكن أزمة العمل السياسي في بلادنا؛ فحين نقول إن السياسة في بلادنا في محنة وفي وضع حرج، وإن ذلك ينطلق من كون الأمر فعلًا يثير القلق والخوف”، مضيفًا: “منذ نهاية العقد الأول من هذه الألفية، وعوض الاستمرار في هذا المنحى الإصلاحي، بدأت تظهر ملامح توجه في اتجاه التحرر من ذلك التعاقد السياسي المثمر الذي ذكرته سابقًا، بمبرر أن القوى الوطنية الديمقراطية ليست مؤهلة ولا قادرة على مواجهة مد الإسلام السياسي ولا على مواصلة العمق الإصلاحي والتحديثي، مما أفرز انحرافات في الحقل السياسي تتنافى تمامًا مع المبررات التي استند إليها هذا الخطاب الجديد آنذاك”.
وأكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن “ما قُدم حينها على أساس أنه بديل عن هذه القوى الوطنية الديمقراطية لم يقم إلا بتقوية هذا المد الذي قيل إنه يتعين مواجهته”، مسجلًا في الوقت ذاته أن “ما يسر الأمر أمام تلك الانحرافات، هو أن القوى الوطنية الديمقراطية آنذاك كان رد فعلها خافتًا وباهتًا، كما كان موقفها غير موحد بالمرة ولا حازمًا، بالمقارنة مع مواقفها في تسعينات القرن الماضي”.
وعن مرحلة 2011 التي أفرزت ما بات يسمى إعلاميًا “الربيع العربي”، قال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن “الحراك الاجتماعي الذي شهده المغرب في هذه الفترة، اضطر هذا التوجه النكوصي إلى التواري ولو مؤقتًا، وفسح المجال أمام دستور متقدم جدًا شكل قفزة دستورية ومؤسساتية وديمقراطية وحقوقية قوية في مسارنا الوطني، على الأقل على مستوى النص”.
ولأن الصراع السياسي مد وجزر، يورد المسؤول الحزبي ذاته، فإن “هذا التوجه ما لبث أن عاد بأشكال مختلفة، ملحقًا أضرارًا بالغة بمكانة السياسة وأدوار الفاعل الحزبي وبمصداقية المؤسسات السياسية”، مضيفًا: “رغم كل شيء، يتعين الإقرار الموضوعي بأنه لا يمكن أبدًا مقارنة أوضاع الديمقراطية والحريات والحقوق في أيامنا هذه مع ما كانت عليه الأحوال في ستينات أو سبعينات وثمانينات القرن الماضي، لكن طموحنا هو تحقيق الأفضل للوطن وللشعب، ولا سيما أن بناء الديمقراطية مسار طويل وشاق ولا يكتمل بطبيعته”.
وسجل نبيل بن عبد الله أن “التوجه المضر بالفضاء السياسي والبناء الديمقراطي أفضى، باعتباره عاملًا رئيسيًا، إلى بروز ثلاثة تجليات على درجة كبيرة من الخطورة على المغرب. أولها، التراجع غير المسبوق لمنسوب ثقة المواطنين عمومًا، والشباب خصوصًا، في الفضاء السياسي والفاعل الحزبي وفي الجدوى من العملية السياسية والانتخابية، ما يمكن أن نسميه اليوم مخاصمة حقيقية بين معظم المغاربة وبين الشأن العام”.
أما التجلي الثاني، يضيف المتحدث، فيتجسد في كون “المؤسسات السياسية عمومًا، المنتخبة وغير المنتخبة، لم تعد تضطلع بأدوارها كما يجب وكما ينص على ذلك الدستور، كما لم تُعزز بأكفأ وأنزه ما يوجد في المجتمع من طاقات، مع بعض الاستثناءات. والتجلي الأخير هو أننا أصبحنا أمام فراغ سياسي خطير لا يمكن أن تملأه سوى تعبيرات عفوية أو متطرفة أو غير مؤكدة، رافضة لكل شيء تقريبًا”.
وتابع في هذا الصدد: “يجب على تلك الأصوات التي تحترف الدفاع عن كل شيء وبأي شيء، ألا توجه لنا اللوم لأننا نسود الصورة؛ فخطابها التسطيحي والضيق، الذي يُخيل لها أنها تدافع به عن البلاد والاستقرار، إنما هو في الحقيقة خطاب مضر بالوطنية وبالمؤسسات، ويستهدف كل صوت ما زال يحمل شيئًا من الحيوية، مما يزيد من تعميق أزمة الثقة”.
في المقابل، أقر المسؤول الحزبي ذاته بضرورة “الاعتراف الجماعي بأن القوى السياسية الديمقراطية أساسًا، فضلت-مخطئة للأسف ونحن منها-في هذه المرحلة الخوض في قضايا ثانوية وخلافات جانبية على حساب واجب توحيد الكلمة أمام هذه التناقضات وأمام واجب التصدي لأي مساس بمكانة العمل السياسي والفضاء الديمقراطي والحقوقي”، مشيرًا أيضًا إلى “مسؤولية المواطن في اقتحام الفضاء السياسي والحزبي، ثم مسؤولية الدولة في توفير إرادة قوية ودائمة لتفعيل مضامين الدستور وضمان شروط التنافس الشريف والنزيه حول البرامج السياسية وتقوية المؤسسات السياسية والحزبية”.
وخلص الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إلى أن “هذا الوضع بات يفرض، بشكل مستعجل، أن نضع بيننا، كقوى سياسية، أهدافًا مشتركة لا تقبل الخلاف ولا الاختلاف، من أجل بعث الروح في قيمة ومكانة السياسة وفي نبل أدوارها وفي قدرتها على أن تشكل المدخل المؤثر والعماد الأساس لأي مشروع سياسي”.
المصدر : الشرق الأوسط