سياسة وعلاقات دولية
ضعف القدرات البشرية والبنيات المؤسساتية يبطئ الجهوية بالمغرب
اختُتمت، السبت الماضي بمدينة أكادير، أشغال المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة بتقديم حصيلة تفعيل هذا الورش الذي انطلق قبل أربع سنوات انتظر خلالها رؤساء الجهات الإمساك باختصاصاتهم الجديدة بحيث لا تزال أغلب النصوص التطبيقية لم تر النور بعد.
وخلال السنوات الأربع الماضية، عملت الحكومة على رفع المبالغ المالية المُرصَدة للجهات الاثنتي عشرة في إطار مواكبتها لممارسة اختصاصها الذاتية، وفي قانون مالية 2020 بلغ ما تم رصده للجهات حوالي 9,6 مليارات درهم.
وبالإضافة إلى ما سبق، تعمل الحكومة على تفعيل آلية التعاقد مع الجهات عبر مواكبتها في إعداد برامجها المتعلقة بالتنمية الجهوية في إطار عقود برامج، إضافة إلى العمل على إصدار النصوص الخاصة بممارسة اختصاصاتها الذاتية والمشتركة.
لكن الإقرار الذي طغى على أشغال المناظرة الوطنية الأولى للجهوية، بحضور الوزراء ورؤساء الجهات والمنتخبين المحليين، كان هو التفعيل البطيء لورش الجهوية؛ فيما أقر آخرون بشكل صريح بفشلها.
وفي نظر أحمد جزولي، وهو خبير في الحكامة الديمقراطية، فإن “عُمر تجربة الجهوية المتقدمة هو أربع سنوات يجعل من الصعب تقييمها تقييماً علمياً دقيقاً”؛ لكنه أشار إلى أن “هناك تقدماً نسبياً في تفعيل الاختصاصات التي جاء بها القانون التنظيمي للجهات، بالرغم من التباطؤ في تفعيل اختصاصات الجهات”.
وذكر جزولي، في حديث لهسبريس، أن مسار هذا الورش عرف “عدم الإعمال الفعال للأمور الجديدة التي جاءت بها الجهوية المتقدمة؛ من بينها المقاربة التشاركية، وربط البرامج الجهوية للتنمية بالميزانيات السنوية للجهة، وتقييم تنفيذ البرامج”.
ويؤكد المتحدث أن “هدف الجهوية المتقدمة هو إعمال سياسة القُرب في تناغم بين مجالس الجهات والأقاليم والجماعات ضمن الجهة الواحدة، وهذه السياسة المندمجة تُشارك فيها حتى الإدارات التابعة للقطاعات الوزارية، لخلق فرص التنمية والتشغيل ومحاربة الفقر والهشاشة، بما يجعل المغرب يمر إلى السرعة القصوى في النمو؛ لكن هذا الأمر لا يزال بعيد المنال ويشوبه نوع من التأخر”.
وعن أسباب تعثر مشروع الجهوية، يورد جزولي نقطتين أساسيتين، وهما ضُعف القدرات البشرية وضُعف المؤسسات، حيث قال إن “أغلب المنتخبين لا يعرفون معنى التدبير العمومي، ناهيك عن التدبير العمومي وفق المقاربات الجديدة”.
أما ما يخص المؤسسات، فهو يتجلى، حسب جزولي، في كونها “موضوعة وفق بنية كلاسيكية”، حيث قال: “بالرغم من تأكيد القانون التنظيمي للجهات على تقييم البرامج، لا نجد في الجهات وحدات إدارية متخصصة في تقييم التنفيذ، وهذا نجده في أغلب إدارات الجهات في الدول التي تتبنى نظام حكم لامركزي. وهذا مهم، لأن التقييم يُساعد على معرفة وضعية التقدم في الإنجاز، وينبه إلى القصور قبل فوات الأوان، وهو أداة تساعد على البرمجة من جديد”.
ولتدارك الضعف الذي يسم قُدرات الموارد البشرية التي يُعهد لها التطبيق اليومي للجهوية المتقدمة، يرى الخبير في الحكامة الديمقراطية أنه من الواجب “وضع برامج مُهمة للتكوين من أجل تأهيل المنتخبين والموارد البشرية في الإدارات”.
ويشير جزولي إلى أن “الدولة المركزية أدركت أن حل مشاكل مغرب اليوم، بما في ذلك الركود الاقتصادي وآثاره الكارثية خصوصاً في البطالة، يمر عبر سياسات جهوية للقرب؛ لكن بالمقابل هناك نخب منتخبة لا تزال بعيدة جداً، إلا في ما ندر، عن القدرة على التدبير الجهوي المتقدم، ومسار التأهيل يتطلب الوقت”.
وللمُضي قدماً في مسار التأهيل، يَعتقد جزولي أن الأمر يتطلب “المزيد من تعميق الجهوية بالعمل الجماعي للمغربيات والمغاربة على إفراز نخب منتخبة في مستوى الأوضاع الجديدة”، وزاد قائلاً: “لا يمكن أن نطلب ممن ليس في حوزته حتى رخصة سياقة سيارة أن يقود طائرة”.
وكثيراً ما يلقى اللوم على الفاعل السياسي على المستوى الجهوي والقول بأنه لم يكن في مستوى الاختصاصات الجديدة، وهو ما يعلق عليه جزولي بالقول أن: “هناك منتخبون لا يمكنهم حتى قراءة القانون التنظيمي للجهات، وهناك منتخبون من المُنظرين للجهوية وإن كانوا قلة.. وهنا يأتي دور الناخب الذي عليه أن يختار الأفضل، لا أن يختار الأسوأ للمسؤولية العامة”.
وفي نظر جزولي، فإن الوضع الحالي يُلقي بالمسؤولية على الأحزاب لتطوير عملها وتخلق أكاديميات، مثل الدول الديمقراطية، لتكوين مرشحيها ليكونوا عند انتخابهم قادرين على التدبير العمومي الذي يتطلب المعرفة والخبرة ومهارات قيادية أساسية، مشدداً في هذا الصدد على أن “عهد المنتخبين الجهلة يجب أن يذهب بدون رجعة، لأن زمن المغرب الحديث لم يعد يحتمل”.