سياسة وعلاقات دولية
هل ساهمت الحركات الاحتجاجية في عودة التجنيد الإجباري في المغرب؟
بعد إقراره لأول مرة سنة 1966 وإلغائه سنة 2007، التجنيد الإجباري يعود لحيز التطبيق في المغرب بعد المصادقة عليه بشكل رسمي من طرف المجلس الحكومي الأخير . القانون رقم 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية ينص على مساهمة المواطنين والمواطنات البالغين بين 19 و25 سنة في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية بأداء خدمة عسكرية خلال مدة محددة في 12 شهرا، ويرمي بحسب ما ورد في بيان للناطق الرسمي باسم القصر الملكي ، إلى إذكاء روح الوطنية لدى الشباب في إطار التلازم بين حقوق وواجبات المواطن
في سياق عودة الخدمة العسكرية في المغرب بعد إلغائها سنة 2007 ، قال محمد النشناش، الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومنسق المبادرة المدنية للريف “إن القرار سياسي بالأساس“، مع تسجيل تحفظه بشأنه، على اعتبار أن المغرب لا يملك من الإمكانيات ما يسمح له بتجنيد عدد كبير من الشباب المعني والمحدد في القانون بحسب قوله. النشناش أضاف قائلا: “القرار يثير الكثير من التساؤلات، فبالعودة إلى الوراء نجد أن المغرب اعتمد القانون خلال السنوات الأولى بعد الاستقلال لمعاقبة بعض الشباب على بعض مواقفهم وتصرفاتهم وهذا ما نتخوف منه، على اعتبار أنه يمكن أن يمس بكرامة الإنسان وحقوقه”.
وفي تعليق له حول احتمال إقرار الخدمة بعد الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها عدد من المناطق المغربية، اعتبر النشناش أنه إذا كان الغرض بالفعل هو معاقبة بعض الشباب وإلجام نشطاء المجتمع المدني “فهذا غير مقبول من الناحية الحقوقية، وسيسيء لصورة المغرب’’ على حد قوله، مردفا: “إذا اعتقد البعض أن التجنيد الإجباري سيساهم فعلا في القضاء على الحركات الاحتجاجية والنضالية والحقوقية في المغرب، فهو واهم لأن المطالب الاجتماعية تهم المجتمع ككل، وليس فئة بعينها دون أخرى”.
من جهته، اعتبر صبري لحو، المحامي والحقوقي، أن القرار يحمل في طياته خلفيات ورسائل عديدة أولاها تتعلق بالفئة المستهدفة، “والتي تعبر أكثر عن الرفض وتحس بعدم المشاركة وعدم الانتماء لأنها تشعر أن السياسات العمومية غير مهتمة بها’’، بحيث أنها أضحت قوة الشارع الحقيقية، بحسب لحو، وبالتالي المراد من القانون هو “محاولة احتواء هذه القوة وترويضها بشكل أو بآخر بعد فشل المدرسة والجامعة والشارع في القيام بهذا الدور“. من جهة ثانية، يرى الحقوقي أن القانون يرمي إلى إعادة تأهيل الفئة المعنية بما يتطابق والسياسات العمومية، خاصة أنها أصبحت قوة خارج السيطرة بحسب لحو . الأخير لم يستبعد، أيضا، احتمال تمرير رسائل دولية تتعلق بملف قضية الصحراء المغربية، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي شهدها الملف، “فالمغرب يحاول هنا أن يمرر رسالة مفادها أنه مستعد لجميع الاحتمالات، في إطار الحرب الشاملة مع الجزائر، أو حتى في إطار حرب العصابات مع البوليساريو’’.
وعلى ذات المنوال اعتبر أمين السعيد، المحلل السياسي والمتخصص في القانون الدستوري أن الدينامية الاحتجاجية التي شهدها المجتمع المغربي بعد سنة 2011، خاصة وسط فئة الشباب وعلى مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، من بين العوامل التي ساهمت في إعادة لفت الانتباه للقانون مجددا بحسب قوله، مؤكدا أن المشرع المغربي وعبر سنه للقانون يرمي إلى تأطير الفئة المعنية وتكوينها في أفق جعلها قادرة على التعبير عن حاجياتها ومطالبها من داخل المؤسسات ووفق التشريع الجاري به العمل في النظام المغربي .
ووسط هذه القراءات يذهب البعض الآخر إلى استبعاد احتمال الحركات الاحتجاجية في المساهمة في اتخاذ القرار، إذ اعتبر حسن جيدة، رئيس المنتدى المغربي لحقوق الإنسان، أن الخدمة العسكرية جاءت أساسا للتخفيض من نسب البطالة في ظل ظرفية صعبة يتخبط فيها المجتمع المغربي، خاصة من الناحية الاجتماعية، والمتجلية أساسا، بحسبه، في ارتفاع نسب البطالة وسط الشباب الحاملين للشواهد، مطالبا باعتماد مبدأ المساواة في تنزيله دون اقتصاره على فئة دون أخرى ممن تتوفر فيهم الشروط المحدد سلفا في القانون.
يذكر في هذا الصدد أن القانون سيشمل 10 آلاف شباب سنويا، مقابل تعويض شهري بقيمة 2000 درهم، وينتظر أن يتم عرضه على البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه في أكتوبر المقبل. هذا، وتنص المادة 15 من القانون المذكور على معاقبة كل من يمتنع عن الاستجابة للسلطة المختصة والمثول أمامها في حالة الاستدعاء دون سبب وجيه بمدد سجنية تتراوح بين شهر و3 أشهر، وبغرامة مالية بين 2000 و5000 درهم.