سياسة وعلاقات دولية
أمكراز: الشباب ليس مطالبا بالتفكير بعقلية القيادات
شعار الملتقى بالنسبة إلينا له أهمية كبيرة، لذا فهو يحظى بنقاش كبير داخل المكتب الوطني وليس شعارا اعتباطيا، بل تتم صياغته بعد نقاش طويل، ونحاول من خلاله أن نلخص قراءتنا للواقع المغربي، فاختيارنا شعار: “تعبئة شبابية من أجل حماية الاختيار الديمقراطي”، هو نابع من إيماننا بأن الاختيار الديمقراطي كثابت من تواثب بلادنا يعرف نوعا من التشويش ولم يعد مساره واضحا ويعلوه ضباب كثيف لا يسمح بالرؤيا الجيدة المطلوبة. وهناك أسئلة كثيرة مقلقة مرتبطة بهذا الموضوع لا جواب عنها، ونعتبر أن من مسؤوليتنا كشبيبة موازية للحزب الأول في البلاد، أن ننبه إلى مثل هذه الأمور وأن نشتغل من أجل تعبئة شبابية حقيقية لتجاوز أي اختلال على هذا المستوى.
لن أكون في حاجة إلى أن أُعدّد لك الأمثلة للاستدلال على الصورة المضببة التي تحدثت عنها، فالأمر أصبح معروفا ويتحدث عنه الجميع.
فإذا كانت نضالات الشباب في 2011، هي من أعطت دفعة قوية وانطلاقة جديدة لمسار الانتقال الديمقراطي في بلادنا، فإننا كنا نتوقع أن يصل الانتقال إلى مداه، لكن للأسف الشديد هناك ارتدادات، وهناك ممارسات غير مفهومة بالنظر إلى سياق ما بعد 2011.
وعندما نتحدث عن التعبئة والحماية، فالأكيد أن هناك تهديدا يطال الاختيار الديمقراطي الذي وجب أن نتعبأ جميعا من أجل حمايته.
هذه هي الرسالة السياسية الكبرى التي يلخصها شعار الملتقى.
ما هي هذه التهديدات التي تواجه الاختيار الديمقراطي بالمغرب؟
هناك أسئلة مقلقة مطروحة في بلادنا، مثلا “البلوكاج” السياسي الذي استمر لحوالي ستة أشهر ليس لنا عليه من جواب إلى حدود اليوم، مثل كيفية تشكيل الحكومة وفرض تركيبة معينة، وكيفية انتخاب رئيس مجلس النواب…، أمثلة كثيرة كما قلت لك، لكن الأكيد أن بلادنا لم تعد تراكم بنفس القوة والوتيرة في مسار الانتقال الديمقراطي.
الغريب أنكم تقودون الحكومة، وفي الوقت نفسه تقولون بأن الاختيار الديمقراطي مهدد، مع العلم أنه هو الذي منحكم المرتبة الأولى؟
أنتم تعلمون أن ممارسة السلطة في بلادنا بمقتضى الدستور هي مقسمة ما بين مؤسسات عديدة، الحكومة لا تمتلك منها سوى جزء صغير بحكم واقع الممارسة، وحتى إذا افترضنا أن الحكومة تقوم بأدوارها كاملة، وتملأ الهامش المحدد لها بمقتضى الدستور، فلا يمكن لها أن تمارس كل السلطة. فهذه الممارسة موزعة في بلادنا.
الدستور حدد هذه السلطة تحديدا دقيقا عندما وزعها بين عدد من المؤسسات، وبالتالي تجاوز مؤسسة لاختصاصاتها وهيمنتها على اختصاصات مؤسسة أخرى مثلا، يخل بالتوازن المفروض في الأنظمة الديمقراطية ويمس بجزء من ثوابت المغرب، الذي هو الاختيار الديمقراطي.
ممارسة السلطة داخل هذه المؤسسات لا تتم في حالات كثيرة بفهم ديمقراطي للدستور، وهذه الحدود الموضوعة اليوم لتوزيع السلطة لا يتم احترامها في الكثير من الحالات بالكيفية التي تنم على أن هناك رغبة حقيقية في فهم ديمقراطي للنص الدستوري.
فإذا كان تطبيق وتنزيل القانون بطريقة سليمة موكول إلى القاضي ذي الضمير الحي كما يقال، فإن تنزيل الدستور وتطبيقه بشكل سليم موكول إلى ديمقراطيين حقيقيين يمارسون السلطة بجميع المستويات، بدونهم لا يمكن الحديث عن ممارسة ديمقرطية.
من الذي يمنع رئيس حكومة الذي يقود حزبا سياسيا وحصل على المرتبة الأولى من أن يمارس اختصاصاته كاملة؟
عندما نتحدث عن حماية الاختيار الديمقراطي لا نقصد المنازعة أو الصدام مع المؤسسة الملكية أو أي مؤسسة أخرى من المؤسسات الدستورية، هذا غير وارد بالنسبة إلينا.
موضوع تعايش المؤسسات فيما بينها محسوم بالنسبة إلينا، بل إن تعاون المؤسسات والسلط بالكيفية التي تخدم مصلحة بلادنا لا يمكن أن يتم وأن يكون له معنى إلا في إطار ديمقراطي تمارس فيه كل مؤسسة صلاحياتها كاملة.
لا ينبغي لنقاشنا أن ينصرف تأويله لشيء من هذا النوع، أنا قلت لك إن الدستور وزّع السلط ولم يضع السلطة في يد واحدة، وعند ممارستها من طرف هذه المؤسسات يجب أن تمارس بكيفية تعطي إشارة على أن هناك رغبة في تنزيل ديمقراطي للدستور.
أنا أقول إن هناك إشارات سلبية في هذا الاتجاه اليوم، وهذا ما يستنهض شبيبة العدالة والتنمية لكي تقول إن هناك تشويشا وتهديدا لمسار قد انطلق، والذي يتجسد فيما قلت سابقا.
أما بالنسبة إلى ممارسة الحكومة لاختصاصاتها، فلا يمكن النظر إليه مجزءا، لأن هذا الأمر راجع لعلاقتها بالسياق الذي نشأت فيه، وليس مرتبطا بحزب العدالة والتنمية لوحده، بل هو مرتبط بما يجري في بلادنا ككل، فممارسة الحكومة لاختصاصاتها لا يتوقف على رغبة الحكومة لوحدها، بل يتوقف على توازنات داخل بلادنا وليس بالضرورة أن تكون الحكومة هي الفاعل الأساسي الذي يحددها، وإن كانت تشكل جزءا منها، فاشتغال الحكومة، مرتبط بمصالح جهات عديدة قوية ولوبيات اقتصادية وسياسية تسعى إلى الحفاظ على مصالح تراكمت لسنوات طويلة، وهو ما نقصده عند حديثنا عن التحكم، وهي تسعى اليوم إلى استرجاع بعض المواقع التي فقدتها بعد حراك 2011.
لكن في المقابل، كل هذا لا يعفي الحكومة من مسؤوليتها في ضرورة الشراسة في مواجهة أي انحراف على هذا المستوى، وتعبئة المواطنين من أجل الانخراط معها في هذه المعركة، وهي المنهجية التي اشتغلت به الحكومة السابقة ونجحت فيها بدرجة كبيرة.
هناك من يرى أن حزب العدالة والتنمية بعد إعفاء عبدالإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، لم يستطع أن يستعيد المبادرة من جديد ويجيب عن الأسئلة المقلقة، هل تعتقد أن بالحوار الداخلي يستطيع حزبكم أن يجيب عنها؟
ه المؤكد هو أن الحزب لم يستطع الإجابة عن العديد من الأسئلة المقلقة، وهذا هو مبرر الحوار الداخلي، وهو ما يفسر، أيضا، عدم تقديمه لأي أطروحة سياسية في المؤتمر الوطني الأخير التي من المفروض أن تشكل قراءة جماعية للمرحلة وأولويات المرحلة المقبلة، وهو ما لم يستطع الحزب تملكه خلال لحظة المؤتمر وإلى اليوم .
لن أكون موضوعيا بالنسبة إلى الحوار الداخلي إذا أصدرت حكما على نتائجه منذ الآن. يمكن أن يخرج بنتيجة تساهم في استعادة الحزب للمبادرة وتجاوز العديد من الإشكالات الملازمة له منذ لحظة إعفاء الأستاذ عبدالإله بنكيران التي تحدثت عنها، ويمكن ألا يتحقق هذا المسعى بالحوار، لكن أظن أن الحوار وحده بالكيفية التي يتم بها لا يمكن أن يفي بالغرض. صحيح أن الحوار حر ومفتوح، وهو أمر مطلوب وإيجابي وستكون له إيجابيات على الحزب، لكن ما ينقص ليس هو الحوار وحده ولا القراءة الجماعية للمرحلة وحدها، فحزب العدالة والتنمية إضافة إلى كل هذه الأشياء التي تشكل، أساسا، للانسجام داخل الحزب في مستوى معين، كانت تسوده روح جماعية يحس معها كل الأعضاء أنهم في بيتهم، وهو ما يفسر على الدوام التضحيات الكبيرة والاستثنائية التي يقدمها أعضاء الحزب في جميع المحطات، وأظن أن هناك بعض الإشكال على هذا المستوى يجب تداركه ليس بالحوار الوطني في صيغته الحالية على الأقل، بل إن للقيادة مسؤولية البحث عن السبل الكفيلة بذلك.
بلادنا اليوم في حاجة إلى حزب قوي يستطيع أن يخوض رهانات الدمقرطة والوقوف في وجه قوى الردة والنكوص، لذلك فمسؤوليتنا كبيرة بسبب الثقة التي وضعها فينا المغاربة، ويجب أن نبرهن أننا في مستوى الثقة والتعاقد الذي أمضيناه مع الناخبين في استحقاقات 2016 في شخص الأستاذ عبدالإله بنكيران الذي كان يقود الحزب آنذاك، وقام بتعاقدات واضحة مع المغاربة. ومسؤولية الحزب اليوم، أن يستمر في الوفاء بتعهداته مع الشعب المغربي.
كيف تقرأ ما جرى داخل الملتقى الوطني الرابع عشر من تباينات وتناقضات بين قيادة الحزب وبين الشبيبة، تتعلق بالكيفية التي ينبغي أن يدبر بها البيجيدي المرحلة الحالية؟
شبيبة العدالة والتنمية هي تعبير شبابي للحزب، وهي تنظيم مواز وتشتغل في إطار المشروع الكبير للعدالة والتنمية، لا نمارس دور الرقابة على اختيارات الحزب، فنحن جزء منها ومن مشروعه.
وإذا فقد شباب الحزب حسهم النقدي سيكونون قد فقدوا مبرر وجودهم كتنظيم شبابي، له خصوصياته، مرتبطة أساسا بخصوصيات الشباب.
كما أنه ليس مطلوبا منا أن نفكر في شبيبة العدالة والتنمية بعقلية قيادات الحزب، ولا أن نستحضر الإكراهات الكثيرة التي تحكم الاشتغال في الحزب، وهي ليست بالضرورة إكراهات الشبيبة. نحن شباب واعون بأننا نشتغل في إطار مشروع الحزب وثوابته ونتكامل معه، ومع كافة المؤسسات التي تشتغل من حوله، ولكننا واعون بأننا يجب أن نقوم بدورنا الذي كنا نقوم به دائما، فليس جديدا على الشبيبة أن تنتقد الحزب وأدائه، سواء في الحكومة أو خارجها، وهو انتقاد ينسجم مع طبيعة حزب العدالة والتنمية باعتباره حزبا للمناضلين، والذي تأسس منذ اليوم الأول على حرية الرأي والتعبير والمبادرة في إطار المؤسسات لذا لا نجد حرجا في أن نقوم بأدوارنا كشباب على هذا المستوى، ولم يسبق لقيادة الحزب أن اخذت الشباب على انتقادها والتعبير الحر عن آرائهم.
وأعتقد أنه لا يمكن أن تجمع ثلاثة آلاف شاب وشابة يعيشون في تماس مستمر مع نضالات وحاجيات المواطنين، وتطلب منهم أن يناقشوا بنفس الكيفية التي يتحدث بها مسؤول حكومي، آنداك سنكون في وضع غير طبيعي.
نقاش الشبيبة في الملتقى الأخير مع الأمين العام الدكتور سعد الدين العثماني، ومع الأستاذ مصطفى الرميد وباقي قيادات الحزب كان نقاشا راقيا وعميقا، وعبر الشباب عن آرائهم باستقلالية كاملة وبإردة حرة، وهذا لا يمكن إلا أن يكون عنصر قوة لحزب العدالة والتنمية، ولم يكن لقيادة الحزب أي اعتراض على نقاش من هذا القبيل، بل على العكس من ذلك، نربي شبابنا على الاختلاف والتفكير والنقاش الحر والمبادرة الحرة، فلا يمكن لشباب مقموع لا يحس بحريته وهو يتحدث إلى قيادته، أن ينتج أو أن يقدم بدائل وحلولا أو أن يبعث الأمل.
فشبيبة العدالة والتنمية كانت باستمرار فضاء للنقاش الحر والانتقاد البناء، ولم يسبق لفضاءات الشبيبة أن كانت فضاءات لقمع الرأي والحد من حرية التعبير، وهو ما سنعمل إن شاء الله على استدامته، وسنكون دائما حريصين على حماية حرية التعبير والرأي والمبادرة داخل الشبيبة.
جرى مؤخرا اتخاذ مجموعة من القرارات السياسية، ما هو تعليق عليها؟
بداية، لا بد من تثمين المبادرة الملكية بالعفو على شباب الريف من معتقلي الحراك، وهي مبادرة في الاتجاه الصحيح نتمنى أن تتلوها مبادرات مشابهة من أجل الطي النهائي لملف الريف بالكيفية التي تقوي اللحمة بين أبناء الوطن وبين مؤسسات بلادهم الوطنية.
وبالفعل عرفت بلادنا العديد من المحطات خلال هذا الصيف، وكانت محطات مهمة تجسد فيها المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، وأن المسؤول مهما كانت درجته يجب أن يكون دائما سيف المراقبة مسلط عليه، لكن الممارسة الديمقراطية ورهان إرجاع الثقة للمواطنين في العملية السياسية في بلادنا تقتضي مزيدا من الوضوح والشفافية، فعندما يتحدث مثلا بلاغ الديوان الملكي عن أن اعفاء وزير المالية كان نتيجة مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فهذا شيء مهم ولغة جديدة ستساهم في إعطاء معنى جديد للممارسة السياسية في بلادنا، لكن لا أحد يعرف لحدود الساعة سبب إعفاء وزير الاقتصاد والمالية، والشيء نفسه بالنسبة إلى موضوع حذف كتابة الدولة في الماء من التشكيلة الحكومية، فهذا الأمر يخص الأغلبية، وأساسا حزب التقدم والاشتراكية، ولا يمكن اتخاذ قرار مثل ذلك دون التشاور معه أو حتى إخباره، بغض النظر عن التفاصيل والحيثيات المحيطة بالموضوع.