سياسة وعلاقات دولية

المغرب يتقدم نحو قيادة أكبر تجمّع إقليمي في إفريقيا

قام المغرب،السبت، بخروج دبلوماسي كبير بأبعاد استراتيجية كبرى، حيث استكملت المملكة مسارا كانت قد بدأته قبل سنوات طويلة بحثا عن تموقع إقليمي يمكنها من تدبير مصالحها الحيوية في القارة الإفريقية.

المملكة، وبعد ثماني سنوات من رحيل الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي كان يعتبر الماسك بخيوط منظمة “سين صاد” الإفريقية؛ تمكّنت من إحياء هذه المنظمة الإقليمية الأكبر من حيث عدد الدول المنتمية إليها، والبالغ مجموعها 28 دولة. هذه المنظمة التي لا تتمتع بالوزن الاقتصادي نفسه لمنظمة دول غرب إفريقيا (صيدياو)، لكنها تتميز بأهميتها الاستراتيجية ومواجهتها لأكبر التحديات الأمنية الموجودة دوليا، سواء في مجال الإرهاب أو الجريمة العابرة للحدود.

القمة الاستثنائية لتجمع دول الساحل والصحراء، التي انعقدت، أول أمس، بالعاصمة التشادية نجامينا، صادقت على الخطوة التي تتوّج جهودا كبيرة بذلتها الرباط بشكل مشترك مع التشاد منذ أكثر من خمس سنوات، لإحياء هذه المنظمة الإقليمية. البيان الختامي للقمة أعلن تعيين إطارين رفيعي المستوى، من كل من النيجر والمملكة المغربية، في منصبي الكاتب التنفيذي ونائبه، وذلك لولاية مدتها أربع سنوات.

الخبير المغربي في الشؤون الإفريقي، موساوي العجلاوي، قال لـ”أخبار اليوم” إن الأمر يتعلق بأكبر تجمع إقليمي داخل القارة الإفريقية، “ميزته أنه منتشر في منطقة الساحل والصحراء إلى غاية شرق القارة”. وأوضح العجلاوي أنه وبعد الجمود الذي دخلته المنظمة إثر سقوط معمر القذافي في ليبيا، “أخذ كل من المغرب والتشاد المبادرة لإحيائها، وانطلقت دينامية اجتماعات مكثفة منذ 2012 لهذا الغرض”. دينامية توقفت حينها، حسب العجلاوي، بسبب الأزمة الطويلة التي ضربت العلاقات المغربية الفرنسية عام 2014، حيث جمّدت باريس عن طريق التشاد هذا المسار الذي كان المغرب يسعى من خلاله إلى تجاوز غيابه عن منظمة الاتحاد الإفريقي.

العجلاوي أوضح أن أهمية إحياء منظمة “سين صاد”، في السياق الإقليمي الحالي، تتمثل في حجم التحولات التي تعرفها المنطقة، خاصة بعد التطورات الأخيرة في السودان، وانفلات الوضع داخل ليبيا والأزمة السياسية التي تعيشها الجزائر، وتنامي المخاطر التي تواجه التشاد، “لهذا كان الخطاب الملكي رائعا حين تحدث عن تفعيل استراتيجية الأمن والتنمية لتجمع دول “س.ص”، وعرض المساهمة بخبرة المغرب في مواجهة الإرهاب والتطرف العنيف”.

الرسالة الملكية الموجهة إلى قمة نجامينا، قالت إن تجمع دول (س – ص) يزخر بثروات وإمكانات إنمائية مهمة. “فمنطقة الساحل والصحراء، التي يتجاوز ناتجها الداخلي الإجمالي 1000 مليار دولار، ويقدر عدد سكانها بنحو 600 مليون نسمة، تتوفر على موارد طبيعية هائلة وإمكانات للتكامل، واقتصاديات السعة، وقدرات نمو واعدة”. وشددت الرسالة الملكية على أن التجمع يتوفر على الأدوات والوسائل الكفيلة بتمكين دوله الأعضاء، من المساهمة بشكل فعال في مسار الاندماج الإقليمي والقاري، معلنا الدخول في عملية إعادة تموقع قاري للتجمع، “تستدعي تظافر كل الجهود من أجل تفعيل أحكام المعاهدة المنقحة، وتمكين تجمعنا من مواصلة السير قدما نحو اندماج إقليمي حقيقي”.

الرسالة الملكية أكدت أن العمل الذي يقوم به تجمع دول “س – ص” في مجال حفظ السلم والأمن داخل فضاء الساحل والصحراء، “يجب أن يكون مدعوما بمبادئ احترام سيادة الدول، ووحدتها الترابية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، بالموازاة مع العمل على تعزيز قنوات الحوار والوساطة، والمساعي الحميدة، والدبلوماسية الوقائية”، وخلصت إلى أن المملكة “انطلاقا من ثوابتها وقناعاتها الراسخة، مستعدة لوضع تجربتها في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، رهن إشارة الدول الإفريقية الأعضاء في تجمع دول س – ص. وهي تجربة ترتكز على مقاربة ثلاثية الأبعاد، تجمع بين الجانب الأمني والمكون الديني ومحاربة الهشاشة والفقر. ولا سبيل إلى كسب هذه المعركة إلا بالتعاون الجاد والمسؤول بين كافة الفاعلين المعنيين”.

(اليوم 24)
إغلاق