سياسة وعلاقات دولية
السويني: الملك يعوّل على الطبقة الوسطى لإنجاح النموذج التنموي
في خضم الانتقادات المتزايدة التي توجهها النقابات العمالية إلى الحكومة، وتحذيرها من تدهور القدرة الشرائية للطبقة الوسطى، المشكلة للعمود الفقري للمجتمع، نبه الملك محمد السادس، في خطاب ذكرى ثورة للملك والشعب، إلى ضرورة تقوية هذه الطبقة، وتعزيز الارتقاء إليها ومنها.
واعتبر الملك أن الطبقة الوسطى هي الأساس المتين للمجتمع، مشيرا إلى أن المغرب “بدأ خلال السنوات الأخيرة يتوفر على طبقة وسطى تشكل قوة إنتاج، وعامل تماسك واستقرار”، ودعا إلى العمل على صيانة مقوماتها وتوفير الظروف الملائمة لتقويتها وتوسيع قاعدتها، وفتح آفاق الترقي منها وإليها.
حديث الملك عن الطبقة المتوسطة، حسب المنتصر السويني، الباحث في المالية العامة، “هو أولا حديث من ملك إلى جزء كبير من الشعب، على اعتبار أن الطبقة المتوسطة هي الطبقة الموجودة بين الطبقتين الفقيرة والغنية، وتركيز الدراسات التعريفية بالطبقة المتوسطة على المدخول الأدنى والأعلى يستهدف توسيع هذه الطبقة على حساب الطبقتين الفقيرة والغنية”.
من هذا المنطلق، يوضح السويني، جاء تركيز الخطاب الملكي على الطبقة المتوسطة نظرا إلى الكتلة التي تمثلها داخل الشعب وداخل المجتمع، مما يجعل الخطاب يتوجه إلى فئة عريضة من الشعب.
السبب الثاني لتركيز الخطاب الملكي على الطبقة المتوسطة، بعد عشرين سنة من حكم محمد السادس، وفق تحليل السويني، يتجلى في كون جزء من الخطاب استحضر المنجزات التي تمت في عهد الملك، “وهذا يعني أنه خلال هذه الفترة توسعت الطبقة المتوسطة، وبالتالي اشتغل المصعد الاجتماعي الرابط بين الطبقات الاجتماعية، من أجل نقل جزء مهم من الطبقة الفقيرة إلى الطبقة المتوسطة”، يضيف الباحث ذاته، مشيرا إلى أن هذا الترقي دليل على النمو الذي شهده المغرب في مرحلة حكم الملك محمد السادس، ذلك أن النمو الاقتصادي وحده الذي يمكن من خلق فرص جديدة للشغل، ويحسن المداخيل.
وأوضح السويني أن “الحديث عن الطبقة المتوسطة هو حديث عن نجاحات السياسات الاقتصادية والاجتماعية في عهد الملك، حتى وإن كانت هذه النجاحات تشكو من نواقص”.
أما السبب الثالث، الذي يرى المحلل السياسي نفسه أنه جعل الملك يركز على الطبقة المتوسطة في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب، فهو ذو بعد مستقبلي، موضحا أن هذه الطبقة ستلعب دورا مهما في النموذج التنموي الجديد. وأضاف أن هذا النموذج وإن كان يعتمد على تشجيع الاستثمار وتشجيع الصادرات، إلا أن الملك يؤكد للطبقة الوسطى أنها ستلعب دورا مهما في إنجاحه.
ويرى السويني أن مساهمة الطبقة المتوسطة في إنجاح النموذج التنموي ستتم عبر الاعتماد عليها في الرفع من المداخيل الضريبية، سواء تعلق الأمر برجال الأعمال وأصحاب المقاولات الصغرى والمتوسطة أو بالموظفين المتوسطين في الإدارات أو في القطاع العمومي وشبه العمومي أو في القطاع الخاص، من خلال تحسين مداخيلها وتوسيع مشاريعها، وكذلك من خلال مساهمتها الفعالة في الرفع من الطلب الداخلي، الذي يبقى من الركائز الأساسية التي يعتمد عليها النمو والتقدم.
السبب الرابع، يقول السويني، الذي جعل الملك يركز على الطبقة المتوسطة، في خطابه مساء أمس الثلاثاء، “هو الاقتناع بأن بناء مغرب المستقبل لا يمكن أن يتم دون طبقة متوسطة، خصوصا دورها في الابتكار والإبداع والتصور وخلق المشاريع الاقتصادية وإيجاد الحلول”، مضيفا أن “الملك يدرك الدور المهم الذي تلعبه هذه الفئة في مد الجسور نحو التقدم والازدهار، وبالتالي دورها الأساسي في إنجاح النموذج التنموي الجديد”.
وخلص الباحث في المالية العامة، في تحليله لخطاب ذكرى ثورة الملك والشعب، إلى أن ما تضمنه الخطاب بخصوص الطبقة المتوسطة “هو اعتراف من الملك بالتهميش الذي تعرضت له هذه الطبقة من خلال النظام الضريبي غير العادل، ومن الإجحاف الذي تعرضت له كذلك من نوعية الخدمات المقدمة إليها، سواء في التعليم أو الصحة، خصوصا أن هذه الفئة معروف عنها أنها متشبثة بتطوير وتحسين الخدمات المقدمة في التعليم والصحة والشغل والرعاية الاجتماعية”.
وتابع قائلا: “إذا استحضرنا الدور البارز للطبقة المتوسطة، فإنها في المقابل عانت من الحيف الذي لحق بها، متمثلا، بالأساس، في عدم استفادتها من النمو ومن تحسين وضعها الاجتماعي، وبالتالي لا بد من تعويض هذه الطبقة عن السلبيات الناتجة عن الأعطاب التي عرفها عمل المصعد الاجتماعي، الذي بدل أن يشتغل فقط من الأسفل الى الأعلى، اشتغل كذلك في الاتجاه المعاكس، أي من الأعلى إلى الأسفل”.
وختم السويني قائلا إن “الملك يريد أن يعمل، مستقبلا، على تغيير أوضاع الطبقة المتوسطة، سواء فيما يخص الآفاق التي ستفتح أمامها، من خلال النموذج التنموي الجديد، أو من خلال مكانتها في مغرب المستقبل، عبر العمل على فتح المجال أمامها على مستوى مراكز القرار، سواء داخل الدولة أو في المؤسسات العمومية أو الجهات، وكذلك على مستوى استفادتها من عائدات النمو، ومن الفرص التي ستفتح من خلال العمل على تنزيل المساواة بين المواطنين، وتخليق الحياة العامة، والقضاء على دولة الريع، وإشراكها في الحياة السياسية”.