سياسة وعلاقات دولية

خبراء مغاربة ينادون بتمكين السجناء من المال والسكن الاقتصادي

شهدت الجلسة العلمية الثانية ضمن الجامعة الخريفية للمندوبية العامة لإدارة السجون توجيه انتقادات إلى طريقة تعاطي الحكومة مع السجناء، كما شهدت تقديم مجموعة من المقترحات للحيلولة دون تكرار حالات العود إلى الجريمة، التي أضحت ظاهرة تؤرق مسؤولي المندوبية العامة لإدارة السجون.

عمر الكتاني، الخبير الاقتصادي المعروف، دعا في مداخلته إلى جعل المؤسسات السجنية مؤسسات اجتماعية لإصلاح النزلاء، وجعلهم منتجين، عوض الاكتفاء فقط بحبسهم خلف القضبان إلى حين انتهاء مدة محكوميتهم؛ وذلك بتمكينهم من تعلم حرف تساعدهم على خلق مشاريع خاصة بهم بعد مغادرتهم السجن.

وضرب الكتاني مثلا بالتجربة الصينية في مجال إدماج السجناء في المجتمع، إذ أشار إلى أن قنطرة الرباط المعلقة التي بنتها شركات صينية شُيّدت بأيادي سجناء صينيين، أهّلتهم حكومتهم ليتمكنوا من أدوات وطرق البناء، وبعد مغادرتهم أسوار السجون وجدوا أماكن عمل داخل شركة البناء التي تولت تشييد قنطرة الرباط المعلقة.

ودعا أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط إلى الاقتداء بتجارب الدول الناجحة في مجال إعادة إدماج نزلاء المؤسسات السجنية في المجتمع، عبر تجهيزها بورشات الحرف، كالنجارة والحدادة والصباغة.. وتمكينهم من جزء من الأجرة والاحتفاظ بالجزء المتبقي إلى حين خروجهم من السجن، من أجل مساعدتهم على بدء مشاريعهم الخاصة.

الكتاني دعا إلى تمكين السجناء من السكن الاقتصادي، عبر تشغيلهم في بناء الوحدات السكنية الاقتصادية، “بهدف إعطائهم أملا في إمكانية بدء حياة أفضل”، مضيفا: “عندما يجد النزيل بيتا يأوي إليه، وفي جيبه قدرا من المال، فهذا سيبعده عن الانحراف، ويجعله مندمجا في المجتمع”.

في السياق نفسه دعا هشام معروف، الباحث في السياسات الاجتماعية، إلى العودة إلى بعض المهن التي كان يقوم بها نزلاء المؤسسات السجنية، مثل خياطة الزي الرسمي لعناصر الدرك والجيش.

وقال المتحدث ذاته: “في الولايات المتحدة الأمريكية يجد السجين مئات فرص العمل عندما يغادر السجن، وفي المغرب لا يجد أمامه غير طرق الانحراف، وحتى المخدرات تصل إليه وهو في السجن”، وأردف متسائلا: “لماذا لم يعد السجناء يخيطون بدلات الجنود والدرك، عوض تفويتها للخواص”.

وعزا هشام معروف سبب الفشل في الحد من ظاهرة العود للجريمة، إلى فشل السياسات العمومية الموجهة إلى عموم المواطنين، قائلا: “الخدمات الاجتماعية والصحية والاقتصادية والترفيهية التي يطلبها المواطن ربما تتوفر للسجناء داخل السجون ولا تتوفر لهم خارجها”.

من جهة ثانية، قال المشيشي العلمي، وزير العدل سابقا، إن العوامل التي تفرز الجريمة الأصلية هي نفسها التي تفرز حالة العود، مشيرا إلى أن الجريمة مرتبطة ارتباطا وثيقا بعامل السنّ؛ ذلك أن الأحداث هم أقرب الأشخاص إلى العود، وفسّر ذلك بكون الإنسان في مرحلة الشباب “يكون قويا ومغامرا ولا يفكر كثيرا قبل الإقدام على الفعل”.

“وكلما ارتفع السن كلما قلّ احتمال العود، لأن سن ما بعد الأربعين والخمسين هو سن التعقل قبل التفكير في الإقدام على أي تصرف غير سوي..كلما تقدم الشخص في السن يقل احتمال ارتكاب الجريمة بشكل أكبر، لأن الشيخ ضعيفُ القوة وضعيفُ العقل حتى، ومن الصعب أن يقدم على ارتكاب جريمة”، يوضح العلمي.

ودعا وزير العدل سابقا الفاعلين المعنيين إلى بذل الجهود للحيلولة دون سقوط المساجين في حالة العود، “لأنها إذا حدثت مرة واحدة فهذا يعني أن الشخص تخلص من الجريمة ولم يتخلص من وضعية الإجرام؛ ما يعني احتمال تكرار حالات العود مرات كثيرة”، على حد قوله.

وشدد المشيشي العلمي على أن الحلول والتدابير والإجراءات المقترحة للحد من ظاهرة العود إلى الجريمة “ينبغي ألا تكون مبنية على ما يظهر على السطح، بل بناء على معطيات ميدانية، وهذا يتطلب القيام بدراسات وأبحاث معمقة؛ عدا ذلك لن نصل إلى علاج حقيقي لهذه الظاهرة”، حسب تعبيره.

(هسبريس)
إغلاق