سياسة وعلاقات دولية
باحثة مغربية تنبش عادات النساء وعلاقات “الصْوابْ” في تطوان
بين المكان والمجتمع والعادات والتقاليد وحفظاً للتاريخ، تدعونا الباحثة المجدّة حسناء محمد داود إلى جولة شيّقة في طرقات ممتدّة، بعيدة، قريبة، وما تحمله ذاكرتها من انطباعات وملاحظات ومن أخبار وأسرار اتسعت وامتدّت حسب ما عاشته ورأته، وحسب ما تراكم بسِجلّ الزّمن وتشعّب في وجدان المجتمع التطواني الأصيل.
وتؤكد الباحثة حسناء محمد داود، وهي تستعيد الماضي ضمن مؤلفها الجديد الموسوم بـ: “تطوان، سمات وملامح من الحياة الاجتماعية” (الصادر عن منشورات مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة 2019)، أن المجتمع التطواني مجتمع يعطي أهمية كبيرة لمظاهر حسن التعامل بين أهله، وذلك ما يطلق عليه باسم “الصّواب”، خاصة بين النساء. فالصواب هو أن يحافظ الشخص على علاقاته مع غيره من أفراد الأسرة والأهل والأحباب والأصدقاء والجيران، بحسن التعامل وتبادل الزيارات في المناسبات، وبتقديم التهاني والتعازي وألفاظ المواساة… وكذا تقديم الهدايا المناسبة في وقتها. ومن هنا سمّيت الهدية الكبرى التي يقدمها العريس لعروسه “الصّوابْ”.
وتتابع الباحثة في المُؤلف نفسه الذي يحتوي على عدّة موضوعات مهمّة حول حاضنة الثّقافات تطوان، بإبراز معاني العديد من الكلمات المرتبطة بالصّواب التي قامت بجردها وضبطها بشكل موجز، والتي سنشير إلى بعضها؛ إذ وحسب ما جاء على لسانها: فمن “الصّواب” ترديد ألفاظ وكلمات وعبارات ومصطلحات خاصة تقال حسب المناسبة: صباح الخير للتحية الصباحية، ومساء الخير للتحية المسائية.
ومن أغرب ما يسجّل في ميدان المعتقدات النّسوية في هذا المجال أن المرأة إذا دخلت على جماعة من النساء فسلمت عليهنّ بالفعل، وكان قد سبق لها أن تقابلت مع إحدى الجالسات في ذلك المجلس، وسبق سلامها عليها، فإنه يكون من الضروري أن تعود للسلام عليها مرة أخرى بحجة أن عدم سلامها عليها سيتسبّب في اصفرارها وامتقاع لونها!
وكشفت حسناء محمد داود أن من العبارات المستعملة في “الصّواب”: “مْبارك مسعود”، وهي عبارة تقال للتهنئة بالحدث السعيد، كالميلاد أو الخطوبة أو الزواج أو امتلاك الجديد من أرض أو عقار… و”مسعود الشهر، هكذا من عاش”: عبارات تستحضر لمباركة شهر رمضان الفضيل، ثم تضاف بعد ذلك دعوات تناسب حال المدعو له (صحيحة وعلى خيرْ، ربّي يخلّيلك صحتك ووليداتك، ويفرْحك بيهم، ويجعل البركة فمُول الدّارْ، ويعطيكْ ربّي شي حجّةْ…) كما نجد عبارة “هْنية على الإسلام” عند خضوع الطفل لعملية الختان و”هْنية على العْرايسْ” بمثابة تهنئة يتم ذكرها بعد ليلة “البوجة” (أي في اليوم الموالي للاحتفال بالعرس).
وسجّلت في محور “الصّواب” أيضاً معنى كلمة: “ما عبّيتوا ف الغْيار غير حقّكم”، التي تقال لأهل الميت مواساة لهم من المعزّي الذي شاركهم حزنهم، وأنهم لم يأخذوا من الحزن إلا قسطهم فقط، بالإضافة إلى كلمة: “هْنية عليك دْقيّمك ربّي على خيرْ” لحظة تهنئة خاصة بالمرأة النّفساء.
وتورد محافظة الخزانة الداودية وهي تقوم بأدوارها بالنبش في الذاكرة التطوانية، ومن “الصّواب” والاحترام والأدب في المجتمع التطواني أنه عندما يتم إشعال الضوء الكهربائي في المساء إيذانا بدخول الليل، يقوم الصغار بتقبيل أيدي الكبار (الأب والأم والجدّ والجدّة…)، تحية واحتراماً لهم. ويتم كذلك تقبيل أيادي الكبار من الأسرة عند خروج الصغير أو الصغيرة من الحمّام، مع قوله أو قولها: “بوسْ بيدّك” أو للجماعة “بوسُو بيدّكم”.
وتزيد بأن المرأة التطوانية واحتراماً لمن هنّ أكبر منها سناً من نساء أسرتها، كانت لا تدعوهنّ بأسمائهنّ، وإنما تدعوهنّ بأسماء تعبر عن المحبّة والمودة والتقرب والتقدير، ومن ذلك قولها لبنت عمّها الكبيرة مثلا: “بنت عمّي”، أو “ولاّ دْعمّي”، ولبنت خالتها “لاّ دْخالتي”… ولغيرها من القريبات: “خالتي فلانة” أو “احْبابي” أو “غْزالي”، أو “للاّ خيتي” أو “حْبيبْتي” أو “عيْني” أو “حياتي” أو “فْنُوني”، أو “فؤادي” أو “عَزّ النّاس”…
وتستطرد ابنة مؤرخ تطوان أن النّاس في القديم، رجالا ونساءً، كانوا ينادون الأب بقولهم “بابا” بترقيق الباء، والأم بقولهم “يِمّا”، ثم في الربع الأول من القرن العشرين بدّلوا كلمة “بابا” بقولهم “ابّا”، وكلمة “يمّا” بقولهم “مامّا”، ويدعى الأخ الأكبر “عْزيزي”، وكل شخص محترم يقال له – وإن لم يكن من الأقارب – “عمّي فلان” وللسيدة “حْبابي فلانة”. أما الجدّة من الأب أو الأم، فتنادى: “مامّا عَيْني” أو “لا لاّ” أو “عْزيزة”، والجدّ “بّا سيدي”.