سياسة وعلاقات دولية

تاريخ جيش التحرير المغربي (3): تحول بعض أعضاء المقاومة داخل المنظمات السرية بالمدن إلى المساهمة في قيادة جيش التحرير المغربي

في خضم الصراع مع المستعمر تولدت لدى بعض أعضاء المقاومة بالدار البيضاء قناعة بعدم جدوى نهج العمل السياسي الحزبي الضيق والمهادن للاستعمار. فمنذ 1949 تمكن عبد الله الصنهاجي بمعية بعض رفاقه من تكوين منظمة سرية أطلقوا عليها اسم “اتحاد الجنوب”، هذه المنظمة التي كانت الممثل الحقيقي للخلايا السرية للمقاومة والتي تكونت بدون علم من حزب الاستقلال، وعندما وصل الخبر إلى قيادة الحزب، أمرت عضوين هما بناصر حركات وبن موسى النجار بالاتصال بحميدو بن فارس المسفيوي وطلب الاجتماع مع مجلس “اتحاد الجنوب” وإبلاغه بأمر حزب الاستقلال بحل هذا التنظيم بعد عقد الاجتماع (أنظر: عبد الرحمان عبد الله الصنهاجي، مذكرات في تاريخ حركة المقاومة وجيش التحرير 1947-1956، صفحة 99).

وافق عبد الله الصنهاجي على حل التنظيم، ودفع كل أمواله لصندوق الحزب. وقد برر ذلك بضرورة إبقاء الخلايا السرية حية وبعيدة عن التنظيم الحزبي، وكذا إبعاد التهمة عن حميدو بن فارس المسفيوي أحد زعماء التنظيم لكونه كان معروفا عند المستعمر الذي كان يعتقله كلما وقع حادث في الدار البيضاء.

كان محمد بن علي الزرقطوني من جملة المسيرين الذين أعطيت لهم الأوامر الحزبية لحل هذا التنظيم المؤسس من أجل محاربة الاستعمار الفرنسي والاسباني والعملاء وعلى رأسهم “التهامي الكلاوي” الذي شكل الاستعمار الثاني في منطقة الجنوب.

غير أن اللقاء الذي جمع الصنهاجي بالزرقطوني أسفر على نتائج معاكسة لتوصيات حزب الاستقلال، حيث تم الاتفاق على ضرورة تأسيس تنظيمات سرية دقيقة لخلايا المقاومة المسلحة بالدار البيضاء بصفة خاصة والمغرب بصفة عامة وعدم الاعتماد على المتحزبين الذين كانوا يعتقدون أن الكلام وحده هو الوسيلة الوحيدة للتفاهم مع الاستعمار (أنظر مذكرات عبد الله الصنهاجي ص 99-102).

وكانت بداية العمل الفدائي بثلاث مسدسات، مسدس واحد كان عند الزرقطوني ومسدسان اشتراهما الصنهاجي من عند يهودي مغربي سنة 1947، وتم الشروع في تأسيس المركز السري للتنظيم والتدريب على حسن استعمال السلاح بدرب القريعة في منزل الحاج عمر الباعمراني سنة 1951، ونجح المقاومون في صنع قنابل محلية، ليبدأ بذلك العمل الفدائي.

وظهرت جماعات سرية أخرى مستعدة لحمل السلاح: الجماعة الأولى كان يسيرها محمد بن الحاج منصور الحرايزي وأجار محمد المانوزي السوسي الملقب بـ” بونعيلات”. كما ظهرت الجماعة الثانية جماعة الدرب الكبير يسيرها مغفور رحال وعدنان الحسين والجماعة الثالثة يسيرها الحسن الصالحي محمد بن الحسين السوسي، والجماعة الرابعة يسيرها الحسن بن عبد الله الشاطمي. وقد اندمجت هذه الجماعات فيما بينها، وتم تكوين المركز السري “بالأرميتراج”.

وفي فاتح يناير 1954 تمكن المستعمر من اكتشاف مركز المقاومة في ضيعة واد “إيكم” بضواحي الرباط، ونتج عن ذلك إلقاء القبض على العديد من المقاومين المؤسسين لخلايا المقاومة بالدار البيضاء، وألقي القبض على أفراد مجموعة الرباط، كما تم القبض على الشهيد “محمد الزرقطوني” بالدار البيضاء يوم 18 يونيو1954 الذي اختار الشهادة بابتلاع قرص من السم عوض إفشاء أسرار المقاومة. ومن تم التحق عدد كبير من المقاومين إلى الشمال، بعد انكشاف أمرهم، واشتداد الحصار عليهم.

وبعد ذلك تكونت القيادة الرابعة للمقاومة من طرف بوشعيب الدكالي وسعيد المانوزي السوسي والمدني المغراني الورزازي ومحمد البشرير الفكيكي والتحق بهم” محمد بن عبد الله” المعروف “بعباس المساعدي” بعد خروجه من السجن (مذكرات عبد الله الصنهاجي صفحة 131).

وإثر ذلك بدأت هجرة الفدائيين إلى الشمال في إطار البحث عن مخرج لمعاناة الأعمال الفدائية في المدن، الناتجة عن اشتداد القمع والحصار، الذي فرضته القوات الاستعمارية على المقاومين، والاتفاق فيما بينهم على ضرورة نقل العمل إلى البادية، فقد كان الشهيد الزرقطوني يدعو إلى تطوير الكفاح الوطني وتطوير أساليبه بنقله إلى الجبال.

بدوره دخل عباس المساعدي درب الكفاح سنة 1949 عن عمر يناهز 30 سنة بانخراطه في صفوف حزب الاستقلال، قبل أن يصبح سنة 1952 من أهم الأعضاء النشيطين في هذا الحزب وأصبح منذ 1952 عضوا نشيطا يتحمل مسؤولية التنظيم إلى جانب رفاقه في الدار البيضاء، حيث سيتم اعتقاله سنة 1953 بتهمة عدائه للنظام الاستعماري، وتعرض لتعذيب وحشي لمدة فاقت 22 يوم دون أن يقدم أي اعتراف أو إشارة تتهم رفاقه.

أثار هذا الصمود إعجاب رفاقه، خاصة الشهيد محمد الزرقطوني وإبراهيم الروداني. وبعد إطلاق سراحه في صيف 1954 تولى قيادة المنظمة السرية، وأصبح اسمه الحركي “اليمني” بعد استشهاد الزرقطوني واستمرار الاعتقالات في صفوف رجال الفداء.

وبعد ذلك التجأ كذلك عباس المساعدي إلى تطوان سنة 1955، إلى جانب باقي الفدائيين بعد اشتداد القمع والحصار الذي فرضته القوات الاستعمارية على المقاومين، ومنها إلى الناظور بتاريخ 23 يوليوز 1955، بناءا على رغبته وباقتراح من جماعة تطوان، واستجابة لطلب عبد الله الصنهاجي الذي حل بالناظور يوم 7 يونيو 1955 في إيفاد شخص متعلم ليتحمل إلى جانبه المسؤولية في قيادة المقاومة، فوقع الاختيار على عباس المساعدي (محمد لخواجة، عباس المساعدي الشجرة التي تخفي غابة جيش التحرير صفحة 27-38).

وحاول عباس المساعدي ربط سلسلة من الاتصالات مع الوطنيين بجبال الاطلس المتوسط الجنوبي والغربي منهم ضابط صف اسمه عمر المكوني(بويفادن) أحد أبناء مدينة خنيفرة و”خلا ولعيد” أحد المشاركين في العمل الوطني والذي كان يكثر من التنقل بين الدار البيضاء وتكفلت وإيفني وبني ملال… وقد كان لهذا الأخير الفضل في ربط الاتصال بين عباس المساعدي وعنصرين كان بصدد تنظيم خلايا الكفاح المسلح بالشمال الشرقي للأطلس المتوسط وهما الدخيسي وميمون أعقا لياس من إيموزار مرموشة والذي سيتوج بعقد لقاء بين ميمون أعقا لياس و عباس المساعدي في منطقة لالة شافية قرب مولاي يعقوب. فهم من خلاله عباس المساعدي أن منطقة مرموشة تتوفر على تنظيم للخلايا السرية لجيش التحرير يضم العديد من الرجال المدربون على حمل السلاح (سبق لهم أن كانوا مجندين في القوات الفرنسية أو شاركوا في حركة المقاومة المسلحة خلال عشرينيات القرن الماضي…) ينتمون إلى العديد من القبائل والمداشر بالمنطقة (مذكرات ميمون اعقا لياس ص35).

كما عقد عباس المساعدي عدة لقاءات مع خلايا اكزناية، والتي تكونت منذ 1951، وفهم أن ثوارها يبحثون عن السلاح بالدرجة الأولى، فسارع إلى إحضار بعض القطع ليتيقنوا أن هناك جدية تامة للدخول في مرحلة الكفاح المسلح، كما قام بالإسراع في بناء خلايا جديدة في قبائل أخرى (محمد لخواجة، عباس المساعدي الشجرة التي تخفي غابة جيش التحرير صفحة 30)، وفتح مدرسة لتكوين أطر جيش التحرير في حرب العصابات، وكان القائمون إلى جانبه على هذه المهمة العربي بن المهدي والشهيد الرحماني ميمون (غورضو) والشهيد اليزناسني (مذكرات الصنهاجي، صفحة 161).

وقام عباس المساعدي إلى جانب عبد الله الصنهاجي وآخرين بمهام إدارة المركز الرئيسي لجيش التحرير بالناظور إلى غاية تقديم استقالته أيام قبل اغتياله، وربط علاقات مع العديد من الجهات في المغرب وخارجه، وكانت له خلافات وصراعات مع أطراف عدة، خاصة مع جماعة تطوان.

 

 

 

بلادي

إغلاق