ماذا لو اختارت غالبية الأسر المغربيّة إرسالَ أبنائها إلى حجراتِ المدارسِ خلال الموسم الدّراسي المقبل واعتماد التّعليم الحضوريّ؟ سؤال طرحهُ عدد من المتتبّعين عقبَ قرار وزارة التّربية الوطنية تخْيير أولياء التّلاميذ ما بين آليتين اثنتين للتّلقينِ الدّراسي ابتداء من شتنبر المقبل.
ويرتكزُ القرار الذي اتخذته الوزارة بشأن الدّخول المدرسيّ المقبل على آليتين: “التعليم عن بعد” كصيغة تربوية للشّروع في هذا الموسم الدّراسي من خلال الدّروس المصورة وبثها على التلفزيون والمواد الرقمية، والتّعليم الحضوري، الذي مازالَ يثيرُ نقاشاً من طرفِ المهنيين في مجال التّعليم في ظل استمرارِ جائحة “كورونا”.
واختارَ المغرب، منذ العشرين من مارس الماضي، اتباع خيار التّعليم عن بُعد، بسبب تفشّي فيروس “كورونا”، وأعلنت وزارة التربية الوطنية عن برنامج لهذه الآلية للحيلولة دون إهدار السّنة الدراسية.
ويواجهُ القرار الحكومي مجموعة من التّحديات التي ستعيقُ تنزيله بشكلٍ يلائم إمكانيات المغرب من جهة، ويواكبُ الحالة الوبائية الصّحية “المعقّدة” من جهة أخرى؛ فمعروف أنّ غالبية الأسر في العالم القروي ستضطرُّ إلى إرسال أبنائها إلى المدارس بحكم غياب الإمكانيات التي تتيحُ متابعة الدّروس عن بعد.
كما لا تُبدي العديد من الأسر المغربية حماساً “واضحاً” بشأن استمرار اعتماد التّعليم عن البعد، ولذلك فقد تضطرّ هي الأخرى إلى إرسال أبنائها إلى الأقسام، خاصة بعد تطمينات الوزير سعيد أمزازي بأنّ “صحّة التلاميذ أولى الأولويات”، وبأنّه سيعملُ على “ضمان استفادة التّلاميذ من حقّهم في التّمدرس والحفاظ على صحّتهم”.
وقال كريم عايش، باحث في السّياسات العمومية، إنّ “التعليم صار على كفّ عفريت بالمغرب بالنظر إلى حجم الخصاص وعلوّ سقف التّحديات في بلدٍ اختار تقليص ميزانية التّعليم، ودعا رئيس حكومته السّابق إلى رفع يد الدولة عنه، مما شكل صدمة أضيفت إليها صدمة تصويت البرلمان بالأغلبية ضد رفع ميزانيتي الصحة والتعليم”.
وأضافَ المحلّل ذاته، أنّ “الموسم الدّراسي المقبل مقسوم ما بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، بعد تجربة أولية أبانت عن صعوبات لا حصر لها في التدبير والمرافقة والتقييم، وتحول الموسم الدراسي السابق إلى منطقة ظل تبتلع سنوات جهود الاستراتيجيات المرسومة والمؤسسات المتعددة”.
واعتبر عايش أنّ “السّياسة التعليمية في زمن الوباء ليست مرتبط فقط بحل التباعد والمتابعة عن بعد عبر استخدام تقنيات حديثة، بل بتوفر الإمكانيات وتمكن الأسر من تدريس أبنائها وفقا لما هو موجود من لوحات وحواسيب وشبكات هاتف نقال وأنترنيت، وتمكن الأساتذة والأطفال وأولياء أمورهم من استخدامها”.
وأبرز الباحث في السّياسات العمومية أن “غالبية سكّان الحواضر ليسوا متمكنين من هذه الآليات، وهي شبه مفقودة في العالم القروي الذي لا يتوفر جله على شبكة لإنترنيت ذات صبيب عال وأدوات إلكترونية جيدة، إضافة إلى صعوبة الحصول على الإشارة الترددية للقنوات المغربية التي تعتمد جهاز (تي ان تي) أو الصحون المقعرة وليس التردد الهرتزي”.
وعبر الباحث ذاته عن اعتقاده أنّ “العالم القروي ضحية سياسة المغرب التربوية أمام صعوبة التّضاريس وبعد القرى وتفرّقها، وضعف إمكانيات الأكاديميات القروية وغياب أي استراتيجية مندمجة تروم تقديم حلول عملية لهذه الفئة، وأيضا النهل والاقتباس من تجارب دول أخرى كما يتم ذلك في اتخاذ القرارات”.
وختم بأنه “إذا ما تم اعتماد التعليم الحضوري، سنرهقُ كاهل الأسر بالاختبارات والتحاليل المخبرية وأدوات الوقاية من كمامات ومعقمات وغير ذلك”، ودعا إلى “اعتماد سبل وتدابير وطرق مبتكرة تقي من العدوى وتضمن استمرار تعليم وتمدرس الجميع”.
المصدر: هسبريس