عارض عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، بشدة الدعوات إلى اللجوء إلى طبع مَزيد من النقود لتلبية حاجيات التمويل، مُعتبراً أن هذه الخطوة ستقود البلاد نحو حالات إعسار سيضطر معها لتوقيع اتفاقيات بشُروط مسبقة مع صندوق النقد الدولي.
وأكد الجواهري، خلال ندوة صحافية رقمية عقدها الثلاثاء عقب اجتماع مجلس البنك، أن “طبع المزيد من النقود فكرةٌ مبسطةٌ للغاية لوضع اقتصادي مغربي مُعقَّد، حيث تتداخل فيه العمليات التي نُجريها مع الخارج مع ما نقوم به داخلياً”.
وأوضح والي بنك المغرب أن “هيكل الاقتصاد الوطني يتميز بواردات تُمثل ضِعف الصادرات، ما يَعني أن لدينا عجزاً تجارياً هيكلياً مُستمراً، وأمام دعوات طبع المزيد من النقود سنكون أمام سيناريو استهلاك سريع لرصيد المغرب من العُملة الصعبة”.
ودافع الجواهري على موقفه المُعارض لسياسة طبع المزيد النقود التي نادى بها بعض الاقتصاديين المغاربة في ظل جائحة كورونا، حيث قال: “أدافع على موقفي حتى وإن اعتبروني تقليديا أرثودوكسيا”.
وأشار المسؤول ذاته إلى أن العملة المغربية لا تُمكّن من شراء الواردات الأساسية من البترول والقمح والسلع والخدمات؛ لأن الدرهم ليس عُملةً قابلة للتحويل، كما بالنسبة للدولار الذي يهيمن لوحده على ثلثي الرصيد العالمي من العُملة الصعبة.
وزاد الجواهري قائلاً: “في هذا المجال يجب الحذر من الحُلول المبسَّطة.. لننظر، مثلاً، إلى جارتنا الشرقية الجزائر.. لقد كان رصيدها من العُملة الصعبة في حدود 240 مليار دولار، وهو مستوى يكفي لثلاث إلى أربع سنوات من واردات السلع والخدمات، لكن اليوم وصل إلى حُدود 50 مليار دولار فقط”.
وأكد المتحدث أنه “لو كان هذه عملية طبع مزيد من النقود سهلة ومُجدية لأقبل عليها المغرب”، وأجزم أنه لا تُوجَد دولة في العالم قامت بهذه العملية هي اليوم في وضعية جيدة، وأعطى مثال بعض دول أمريكا اللاتينية، مثل الأرجنتين وفنزويلا اللتان تواجهان وضعاً اقتصادياً صعباً.
وبلغة صارمة، قال الجواهري: “يجب أن نكون جديّين، وما دُمت في هذه المسؤولية سأحرص على عدم الاستسلام لهذه الأفكار البسيطة بتاتاً؛ لأن الأمر يتعلق بمصير 35 مليون مغربي.. ولذلك، يجب ألا ندفع البلاد إلى حالات الإعسار (insolvabilité) سينتج عن كوارث”.
وحسب والي البنك المركزي، فإن وُصول المغرب إلى حالة إعسار يعني اضطراره لتوقيع اتفاقات الاستعداد الائتماني (Accord de confirmation) بشروط مُسبقة مع صندوق النقد الدولي؛ وهو ما سيُضر في المقام الأول أصحاب الدخل الضعيف والمتوسط.
وخلص الجواهري إلى القول: “يجب استحضار الكثير من التواضع والحكمة، وقياس ما يجب علينا القيام به وما لا يجب؛ لأننا لسنا أمام علم دقيق أو معادلة رياضية، بل أمام 35 مليون مُستهلك تختلف عاداتهم الاستهلاكية اليومية”.