مع حلول منتصف شهر يناير الجاري، تكون العملة الوطنية الدرهم قد أمضت ثلاث سنوات على تحولها من نظام صرف ثابت إلى نظام صرف مرن، يتحرك اليوم في نطاق ±5 في المائة.
وتقوم السلطات النقدية في المغرب بتحديد سعر صرف الدرهم على أساس سلة من اليورو والدولار، بنسبة 60 في المائة و40 في المائة على التوالي، وذلك في ارتباط بالتعاملات الخارجية، والنسبة الكبرى لليورو لما تشكل المبادلات التجارية مع الاتحاد الأوروبي من أهمية.
وقبل بداية اعتماد نظام الصرف المرن، أثيرت الكثير من التخوفات من إمكانية انخفاض قيمة الدرهم، كما كانت التوقعات تشير إلى إمكانية تأثير ذلك على التضخم كما حدث في بلدان أخرى مثل مصر، لكن شيئا من ذلك لم يحدث في المغرب.
ومستويات تحرير سعر الصرف ثلاثة، هي الثابت والمرن والعائم، ويتطلب الوصول إلى نظام عائم بشكل كامل مدة طويلة قد تتجاوز 15 سنة، ويسهر على إصلاح نظام سعر الصرف بالمغرب كل من وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة وبنك المغرب.
ويبرر المغرب اعتماد نظام سعر الصرف المرن بسعيه لتقوية مناعة الاقتصاد الوطني في مواجهة الصدمات الخارجية بسبب تقلبات سعر الصرف للعملات الرئيسية، ودعم التنافسية الاقتصادية والمساهمة في الرفع من مستوى النمو.
والملاحظ أن قيمة الدرهم بقيت مستقرة نسبيا طيلة فترة نظام الصرف المرن خلال السنوات الثلاث الماضية، كما بقيت موجودات النقد الأجنبي في مستويات مريحة، رغم الأزمة الناتجة عن فيروس كورونا المستجد، التي استبقتها الحكومة بتعبئة تمويلات أجنبية مهمة، كما لم يتم رصد أي تأثير على معدل التضخم.
يقول الخبير الاقتصادي إدريس الفينة، رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية، إن بنك المغرب قرر خلال التجربة الأولية لسياسة تحرير سعر الصرف الجديدة، اعتماد مجال جد محدود لتحرك الدرهم مقابل العملات الأجنبية للتحكم في كل الانزلاقات المحتملة.
وأشار الفينة، إلى أن اعتماد مجال ضيق لتحرك الدرهم جعل تأثير هذه السياسة جد محدود على المبادلات الخارجية، لكنه لفت إلى أن “المهم في هذه التجربة هو السماح للأبناك أن تصبح فاعلا في مجال تدبير العملات، والسماح للسوق بوضع الآليات الضرورية لتدبير العرض والطلب للعملات ومخاطر الصرف”.
وأعرب الخبير الاقتصادي عن اعتقاده بضرورة المرور اليوم إلى السرعة القصوى من أجل رفع فعالية الاقتصاد المغربي من خلال قيمة حقيقية للعملة الوطنية، قائلا إن “قيمتها السوقية اليوم لا تعكس قيمتها الحقيقية”.
وذكر الفينة أن التفاوت بين القيمة السوقية والحقيقية للعملة، “ينعكس سلباً على تنافسية المنتجات المغربية، ويخلق كلفة كبيرة لتثبيتها من خلال رفع مخزون العملات الأجنبية بشكل مصطنع عبر الاقتراض الخارجي، وهو ما يضعف الفعالية الاقتصادية ويُحمل الميزانية العامة نفقات كبيرة تمول أساسا عبر أموال دافعي الضرائب”.
وأكد المتحدث أن “ما هو مطلوب اليوم من خلال سياسة سعر الصرف أكثر مرونة، هو أن تأخذ الواردات والصادرات قيمتها الحقيقية عبر قيمة حقيقية للدرهم تعكس الوضع الاقتصادي للبلاد وتساهم في ضبط أفضل للواردات والصادرات”.
ولا تستعجل السلطات المغربية المرور إلى نطاق أوسع جديد لتحرير سعر صرف الدرهم، وتفضل اعتماد التدرج في تنزيل هذا الإصلاح. في المقابل، يؤكد صندوق النقد الدولي أن الشروط الحالية ملائمة للمرور إلى مرحلة جديدة من تحرير الدرهم.
ويؤكد المسؤولون في البنك المركزي ووزارة الاقتصاد والمالية أن المرور إلى مرحلة جديدة من تحرير سعر صرف الدرهم يعتمد بشكل خاص على تقييم بعض المتطلبات الأساسية، على رأسها المتانة والأساسيات الماكرو اقتصادية ومدى كفاية مستوى احتياطات النقد الأجنبي، إضافة إلى مرونة النظام المصرفي وتطور المؤشرات المتعلقة بالسيولة.
المصدر: هسبريس