بقدم يمنى نادراً ما تضل طريق الشباك، ويسرى تبرع في إنهاء الهجمات، وبروح دؤوبة تُصِرّ على الاجتهاد، يخطو ابن فاس لينصب نفسه حاكم “غوليادورز” إشبيلية، وسفيراً جديداً للكرة المغربية في “الليغا”، بأرقام شخصية أخرست أفواه المشككين في إمكانياته الهجومية، واضطرت منتقديه اليوم إلى الاعتذار عما قالوه يوماً ما بأنه لا يصلح لقيادة الخطوط الأمامية للأندية التي لعب لها.
طريق يوسف النصيري (من مواليد فاتح يونيو 1997) نحو المجد كان مليئاً بالعقبات. وكأي “وْلْد الشَّعب” حلم بأن يصنع لنفسه اسماً في عالم المستديرة. التقط “فيروس” الكرة بين أحياء فاس، وبدأت أعراض النجاح تبدو عليه وهو لا يزال صغيرا، إذ ولج فئات شبان فريق القلب، المغرب الفاسي، في الثالثة عشرة من عمره، قبل أن ترصده أعين التقنيين داخل أكاديمية محمد السادس عاماً بعد ذلك، وتضمّه إلى المركز ليتشرّب تفاصيل اللعبة، وفق نهج “دراسة ورياضة”، رفقة مواليد “97”، إلى جانب حمزة منديل وآخرين.
أثبت النصيري طيلة 4 سنوات داخل الأكاديمية جدارته بمقعده داخل المركز، وجعل من نفسه منتوجاً جديراً باهتمام أكاديمية نادي مالقة الإسباني، التي استقدمته سنة 2015 لينجز بذلك أولى خطواته لتحقيق حلم الاحتراف في أوروبا. في تلك الفترة أدرك يوسف أن المأمورية لن تكون سهلة، وأن مهمة إثبات الذات ستعود إلى نقطة الصفر في أكاديمية “الألبيسلستي”.
أقنع النصيري فنيّي مالقة ليلحقوه بالفريق الثاني للنادي في 2016، حيث لعب له 10 مباريات سجل خلالها 9 أهداف.. حصيلة غير قابلة للنقاش جعلته خياراً أمام خوسي ميغيل غونزاليس، مدرب الفريق الأول للفريق، فأشركه في معسكر الكبار تحضيراً لموسم 2016-2017، حيث سجل ثنائية في المباريات الإعدادية، ومدّد عقده مع النادي، الذي كان يشارف على الانتهاء في نفس الصيف، إلى غاية 2020، ليحجز لنفسه مكاناً ضمن الكبار ويسجل أول أهدافه في “الليغا” بعد ثالث ظهور له كبديل.
لم تُتح للنصيري فرصة الظهور كثيراً كما خطط لذلك. إذ كانت 1980 هي مجموع الدقائق التي لعبها من 41 مشاركة مع مالقة في مختلف المنافسات. حصيلة مخيبة جعلته يفتقر إلى التنافسية المنشودة آنذاك، قبل أن تتعطل آلته الهجومية بتدهور الوضع العام لناديه الذي نزل إلى “السيغوندا”، إذ أنهى موسمه بأربعة أهداف، قبل أن يشارك مع “الأسود” في “مونديال” روسيا.
توفرت الظروف أمام النصيري لتغيير الأجواء، حيث التحق بديبورتيفو ليغانيس صيف 2018 في صفقة بلغت 6 ملايين أورو، لكن الحظ لم يحالفه في الجولات الأولى مع “البيبينيروس”، فانتظر حتى عاشر ظهور له مع الفريق كي يسجل أول أهدافه في موسم تألق فيه مواطنه نبيل الزهر. وفي ظرف عامين شارك النصيري مع ليغانيس في 53 مناسبة، بمعدل 69 دقيقة في المباراة، سجل خلالها 15 هدفاً.
وفي 16 يناير 2020 وقّع النصيري عقد انتقاله إلى إشبيلية لخمسة مواسم مقابل 20 مليون أورو، وقد انتظر حتى رابع ظهور له مع الفريق الأندلسي كي يفتتح سجله التهديفي هناك. وقد أنهى الموسم بـ18 مشاركة سجل خلالها 4 أهداف فقط في “الليغا”، قبل أن يزأر بقوة في الموسم الجديد، إذ إلى حدود الجولة 19، وبحصيلة يصعب تصديقها، أصبح النصيري متربعا على عرش هدافي “الليغا” باثني عشر هدفاً، سجل منها “هاتريكَيْن” في ظرف أسبوعين.
ومع “الأسود” كان أول ظهور له في المباراة الودية التي خاضها المنتخب الأول ضد ألبانيا بقيادة هيرفي رونار في غشت 2016، شارك بعدها في 34 مباراة أخرى بين “كان 2017″ بالغابون (هدف واحد)، و”مونديال 2018” بروسيا، حيث بصم مشاركته بهدف أمام المنتخب الإسباني برأسية لا تنسى، ثم “كان 2019” بمصر (هدفان).
أرقام النصيري مع “الأسود” جعلته عرضة لأقسى الانتقادات حدّ التنمر في بعض الأحيان. ولأنه آمن بحلمه أضعاف طوله، وأدرك أن له من الإمكانيات ما يخول له أن يقارع يوماً ما ميسي وسواريز، فقد جعل من توصيفه بصاحب “العسريتين” أو “مول جوج يمنيات” سبباً ليسير قُدما نحو تحقيق المنى، لأن أقصر مسافة، في النهاية، بين نقطة الانطلاقة والوصول هي المستقيم.
المصدر: هسبريس