في مطلع شهر يناير الماضي، أصدرت الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية بلاغا نوّهتْ فيه بالنتائج الإيجابية التي تمّ تحقيقها على مستوى تقليص المواعيد المتعلقة ببعض العمليات التي تقوم بها الوكالة، مثل انتقال مِلْكية المَرْكبات وتجديد رخص السياقة، لكن على أرض الواقع يبدو الوضع مغايرا تماما.
ففي الوقت الذي قالت فيه “نارسا” إنّها ستحرص على ألّا تتجاوز المواعيد أجَل يومين من تاريخ الحجز بالمنصة الرقمية التي وضعتها لهذا الغرض، فإنّ الحصول على موعد لتجديد رخصة السياقة يصل في بعض الأحيان إلى أسابيع؛ إذ يوجد مرتفقون أرسلوا وثائق ملفهم عبر البريد المضمون منذ أزيد من شهرين، وإلى حد الساعة يُخبرون من طرف الوكالة المذكورة بأنّها لم تتوصل بملفاتهم.
المثير في الموضوع، هو أنّه في الوقت الذي لا يزال ينتظر فيه المرتفقون الذين التزموا بالإجراءات التي وضعتها الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية وأرسلوا ملفات تجديد رخص السياقة عبر البريد المضمون، أن تتم المناداة عليهم، فإنّ الذين لا يتبعون هذه الإجراءات يحصلون على رخص السياقة بسرعة كبيرة عن طريق دفع رشاوى للسماسرة.
وتأكدت من هذا الأمر بعد توصلها بمعطيات في الموضوع في طرف مواطنين أعياهم الانتظار، حيثُ مكّنت زيارة قمنا بها إلى أحد مراكز تسجيل السيارات في جهة الرباط-سلا-القنيطرة من الوقوف على “سَطْوة” السماسرة على عمليات الحصول على الوثائق التي تقدمها الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية.
أمام مركز لتسجيل السيارات، يتجمّع عشرات المواطنات والمواطنين وسط فوضى كبيرة، وفي عين المكان يوجد حوالي عشرة سماسرة، أغلبهم شبان، يتميزون بحمْل أقلام حبْر في أيديهم، بمجرد أن يَفد مرتفق على المركز يبادره أحدهم بعبارة “كاين ما نقْضيو”، التي هي مفتاح الحصول على الخدمات المقدمة داخل المركز في أسرع وقت.
وتتبعت عمليات “مفاوضة” بين السماسرة والمرتفقين، انتهى بعضها بالتوافق، وآل بعضها الآخر إلى الفشل، بسبب ارتفاع “ثمن الخدمة” الذي يطلبه السماسرة، والذي يصل في حالة تجديد رخصة السياقة إلى 200 درهم.
يقول سمسار شاب تمكّنا من إيهامه بالرغبة في تجديد رخصة السياقة، إنّ الالتزام بالإجراءات التي وضعتها الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، وإرسال الوثائق المطلوبة عبر البريد المضمون، بعد تسجيل الطلب في المنصة الرقمية المخصصة لهذا الغرض، “مجرد مضيعة للوقت”، مضيفا: “الضّْواسا كيبقاو محطوطين وسير انت تسنّا”.
ولتفادي الانتظار الطويل من أجل تجديد رخصة السياقة، أو أي وثيقة أخرى من الوثائق التي تقدمها الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية عبر مراكز تسجيل السيارات، يلجأ كثير من المواطنين إلى الاستعانة بالسماسرة، حيث يمكن، عن طريقهم، تجديد رخصة السياقة في أجل يومين أو أقل.
يقول السمسار الذي تحدث إلينا بمنتهى الثقة: “اعطيني لاكارط ناصيونال ولوراق، ويلا بغيتي تشدّ البيرمي ديالك تاخدو تا اليوما”، أمّا “تسعيرة” هذه العملية فهي محدّدة في 200 درهم، ولا مجال للمُفاصلة فيها.
السماسرة المرابطون أمام مراكز تسجيل السيارات يُجمعون على “لا جدوى” اتّباع الإجراءات القانونية لتجديد رخصة السياقة، طالما أنّ هناك إمكانية للحصول على الخدمة المطلوبة دون المرور عبر هذه الإجراءات. “جيبْ الضوسي ديالك ودفعو ديريكت، ما كاين لا بريد مضمون لا والو”، يقول سمسار آخر، مضيفا: “علاش غادي تعذّب وتمشي تدفعو فالبوسطة”، قبل أن يقاطعه زميل له قائلا: “الضواسا اللي كيجيو من البوسطة كيبقاو غير محطوطين”.
في هذا الإطار، قال أحد المرتفقين إنّه بعث الوثائق المطلوبة عبر البريد المضمون منذ حوالي شهرين، غير أنه عندما يلج إلى المنصة الرقمية التي أحدثتها الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية لتتبع مسار ملفه، يتلقى الجواب نفسه: “لم نتوصل بعد بملفك”، رغم أنّ إدارة البريد الذي بعث عبرها الوثائق أكدت له أنّ ملفه وصل إلى مركز تسجيل السيارات المُرسل إليه.
وعلى الرغم من أنّ الغاية الأساسية من إحداث منصة الحصول على مواعيد بعض العمليات التي تقدمها الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، هي تقليص عدد الوافدين على مراكز تسجيل السيارات، في إطار الإجراءات المتخذة للوقاية من كورونا، إلا أن الفضاء الخارجي لهذه المراكز يشهد اكتظاظا كبيرا، حيث يتزاحم المرتفقون في غياب شروط السلامة والوقاية.
في المقابل، قال مصدر من “نارسا” إنّ عملية المواعيد وتسليم الوثائق للمرتفقين تمر بسلاسة، معتبرا أنّه إذا كان هناك بعض الاكتظاظ خارج المراكز فذلك راجع إلى عدم التزام المرتفقين بالمواعيد المقدمة لهم، مضيفا: “داخل المراكز لا يوجد أي ازدحام، والعملية تجري بيُسر، ولكن برّا كي غدّير مع الناس”.
المصدر: هسبريس