كشف محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن المحاكم المغربية تمكنت من عقد ما يزيد عن 19 ألف جلسة عن بعد خلال سنة واحدة، درست فيها أكثر من 370 ألف قضية تهم معتقلين. وقد مثل هؤلاء أمام المحكمة بهذه الطريقة أكثر من 433 ألف مرة.
وقال عبد النباوي في كلمة له خلال أشغال الندوة الوطنية حول “المحاكمة عن بعد”، التي نظمتها وزارة العدل اليوم الثلاثاء، إن “اللجوء إلى التقاضي عن بعد كان نتيجة ظهور بعض بؤر الوباء ببعض السجون، حيث أصبح لزاما إغلاقها ومنع نقل السجناء إلى المحاكم تلافيا لانتشار العدوى. وهو ما كان يتطلب إيجاد حلول جريئة ومقدامة لقضايا المعتقلين”.
وأضاف المسؤول القضائي ذاته في كلمته الافتتاحية للندوة أن “المحاكمة عن بُعد كانت أنسب هذه الحلول وأكثرها ملاءمة مع الوضعية الصحية التي تعيشها البلاد، حيث تقرر بإرادة مشتركة من السلطة القضائية والوزارة المكلفة بالعدل والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وبدعم ومباركة من هيئات الدفاع، ممثلة في جمعية هيئات المحامين وأغلب الهيئات، الشروع في إجراء محاكمة المعتقلين عن طريق المناظرة المرئية عن بعد، دون نقلهم من السجون إلى قاعات المحاكم”.
وأورد الرئيس الأول لمحكمة النقض الذي كانت يتحدث أمام عدد من المسؤولين القضائيين والحكوميين والمركزيين، أن “بلادنا تمكنت في بضعة أسابيع من التوفر على بنيان لوجستيكي مناسب لعقد جلسات المعتقلين عن بعد. مما مكن المحاكم من تدبير قضايا السجناء دون المخاطرة بحياتهم وصحتهم”.
وأبرز المتحدث أن “القضاة وموظفي كتابات الضبط وأطرها إلى جانب المحامين، بذلوا جهودا جبارة لعقد الجلسات في احترام تام للتدابير الاحترازية التي قررتها السلطات الصحية ببلادنا. وهو ما مكن المحاكم أن تعقد خلال سنة ما يزيد عن 19 ألف جلسة عن بعد، درست فيها أكثر من 370 ألف قضية تهم معتقلين. وقد مثل هؤلاء أمام المحكمة بهذه الطريقة أكثر من 433 ألف مرة”.
وكشف المسؤول ذاته أن “المحاكم تمكنت من البت عن بعد في أكثر من 133 ألف قضية، ترتب عن بعضها الإفراج عن مجموعة من المعتقلين ناهز عددهم 12 ألف معتقل تمكنوا من معانقة الحرية مباشرة بعد النطق بالحكم، بمعدل ألف كل شهر”.
وهنّأ عبد النباوي “نظام العدالة المغربي على تبنيه لهذه المقاربة الخلاقة التي مكنت من تدبير قضايا المعتقلين في احترام تام لمقتضيات الشرعية القانونية التي ترتبت عن القوة القاهرة، ودون المساس بمقتضيات المحاكمة العادلة؛ ذلك أن المناظرة المرئية تمكن الأطراف في الدعوى العمومية من مواجهة بعضهم ومناقشة ظروف وملابسات القضية في آن واحد وبشكل مباشر؛ بحيث يرون ويسمعون بعضهم البعض في فضاء افتراضي موحد”.
واستطرد المسؤول القضائي بأن “العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الجريمة قد نصت عليها، مثل المادة 69 من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية والمادة 46 (فقرة 18) من اتفاقية مكافحة الفساد والبروتوكول الإضافي الثاني للاتفاقية الأوروبية للمساعدة القضائية في المادة الجنائية (8 نونبر 2001)، وغيرها”.
وتابع قائلا: “ما كان لنظام العدالة ببلادنا أن يتجاوز الإكراهات التي فرضتها شروط الحماية من فيروس كوفيد-19 بهذا الأسلوب الحداثي المتطور، لولا الجهود التي بذلتها وزارة العدل والمندوبية العامة للسجون إلى جانب قضاة المحاكم والنيابة العامة وموظفي العدل وأعضاء هيئات الدفاع”.
واعتبر عبد النباوي أن صدور قانون ينظم المحاكمات الافتراضية، “يظل أملا جميلا يراود كل الممارسين والمهتمين بشأن العدالة. ولذلك، فإننا نتطلع بشوق إلى صدور هذا القانون في أسرع وقت، حتى تتوفر بلادنا على الآلية القانونية المناسبة التي تسمح بإجراء المحاكمات عن بعد في الفترة اللاحقة للكوفيد”.
وتوقّف المتحدث عند بعض الظروف التي تبرر اعتماد المحاكمة عن بعد، وذكر من بينها “حماية الشهود والمبلغين، وبُعد المؤسسات السجنية عن بنايات المحاكم، مما يتطلب وقتاً طويلا ومصاريف باهظة للتنقل، فضلاً عن أعداد من موظفي الخفر”.
وفي هذا الصدد، كشف الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن حوالي 800 معتقل يمثلون يوميا أمام محاكم الرباط وأكثر من 1200 يمثلون كل يوم أمام محاكم الدار البيضاء، ودعا إلى التأمل “في تكاليف النقل والخفر والحراسة”.
المصدر: هسبريس