سياسة وعلاقات دولية
وزيرة كندية: إفراغ المستشفيات المغربية من الأطر الطبية يطرح مشكلا أخلاقيا
اعترفت كريستين سان بيير، وزيرة العلاقات الدولية والفرنكوفونية بحكومة الكيبك سابقا، بأن “السياسة التي تقوم بها دولتها من حيث استقطاب الممرضين من المغرب وغيره من البلدان الإفريقية ودول الجنوب تطرح مشكلا أخلاقيا حقيقيا”، مستدلة في ذلك بمحاضرة لكاثرين آن ميلر، الممرضة والمحاضرة في جامعة ماكجيل الكندية، التي قالت إن “كيبيك تنتهك إرشادات منظمة الصحة العالمية بشأن أخلاقيات في التوظيف الدولي لأطر التمريض وتحرم هذه البلدان من خبراتها الصحية، بما يمس الحاجة الماسة إليها”.
وأوضحت سان بيير، في مقال لها بموقع موقع “لاكتياليتي” الكندي، أن “ما هو منصوص عليه من طرف منظمة الصحة العالمية فيما يخص التوظيف الدولي للأطر الصحية أنه لا بد من الاتجاه نحو تقليص التوظيف النشط للعاملين الصحيين من البلدان النامية، لكونها تواجه نقصا حادا في العاملين في القطاع الصحي”؛ وهو ما يبدو أنه يتماشى مع التنديدات المتواصلة للفعاليات الصحية والحقوقية المغربية بخصوص ضرورة وقف هجرة الأطباء والأطر التمريضية.
وأشارت السياسية الكندية، في مقالها الموسوم بـ”عندما تُفرغُ الكيبيك مستشفيات إفريقيا من ممرضيها”، إلى أنها “حين كانت وزيرة للعلاقات الدولية والفرنكوفونية، تحديدا سنة 2017، شعرتْ مرة بفخر حين أعلن فيليب كويلارد، رئيس الوزراء، عن تمويل بقيمة 3.5 ملايين دولار لمساعدة الطلاب الناطقين بالفرنسية من الجنوب العالمي على البقاء في كيبيك”؛ لكنها تعود لتؤكد في الصدد ذاته: “لكن بمجرد دخولي الميدان، رأيت الأمر من زاوية أخرى”.
وتابعت شارحة: خلال مؤتمر صحافي مشترك مع ماري مونيك راسوزانانيرا، وزيرة التعليم العالي الملغاشية آنذاك، فوجئتُ بسماع قلقها من هجرة الكفاءات الوطنية لبلدها، إذ قالت: “إن الموضوع يمثل مصدر قلق كبير، وهناك أيضا عمل يجب القيام به لإعادة هؤلاء الطلاب؛ هؤلاء الشباب الذين تخرجوا هناك، مع كل ما يتوفرون عليه من راحة وبيئة مختلفة”. وعلقت الكندية على قول راسوزانيرا: “كانت محقة جزئيا، لأن هدفنا غير المعترف به كان الاحتفاظ برقم معين في كيبيك”.
وبما أن المغرب طرف أساسي في الحكاية ذاتها من حيث استقطاب كندا للأطر الطبية وخصوصا التمريضية، فإن الكاتبة خصت المغرب أيضا بالذكر، بناء على استنكار كتبته سورية عثماني، سفيرة المغرب بكندا، بحيث وصفت أسلوب التوظيف بكندا بأنه يشكل “خسارة كبيرة”، نظرا لكون المغرب يعاني من نقص صحي مقلق باعتباره بلدا ناميا؛ لذلك “يجب أن يكون هناك بعض من ضبط النفس في هذا الجانب، خصوصا بعد “زلزال الحوز”، الذي ضرب بعض مناطق المغرب مخلفا خسائر مادية وبشرية.
وفي دردشة مع السفيرة المغربية، ذكرت كريستين سان بيير أن العثماني أكدت لها أنه “لا توجد طريقة يمكننا من خلالها منع الشخص الذي يريد الاستقرار وتجربة حظه في الخارج من القيام بذلك؛ ولكن بشرط أن يكون ذلك طواعية وبمسؤولية، وليس تبعا لمنطق افتراسي لا يشبه سوى الصيد الجائر والتجنيد “الوحشي”؛ فهذا، وفق السفيرة المغربية، “مشكلة خطيرة وأخلاقية لا يمكن إلا التصدي لها والتفاعل معها بما يلزم”، مع أن المغربية لا تقصد الكيبيك بالتحديد، وإنما تعالج مشكلة “استنزاف” الكفاءات بمنطق كلياني، وفق سان بيير.
وقالت السياسية الكندية إنه “منذ نهاية فترة الجائحة، أنفقت كيبيك ملايين الدولارات لتوظيف العمال في الخارج، في مجموعة مختلفة من المجالات، بما في ذلك القطاع الصحي”، مضيفة: “ذلك كما هو الحال كذلك بالنسية لفرنسا وبلجيكا، حيث شرعت الحكومات في حملات إغواء كبيرة في البلدان الإفريقية الناطقة بالفرنسية، بما في ذلك المغرب وتونس والسنغال والكاميرون وكوت ديفوار وبنين وتوغو”، على الرغم من أن “الإشارات المقلقة تتضاعف في هذا الجانب”، أفادت الكاتبة في سياق متصل.
وتابعت: “تشارك ممثليات كيبيك في الخارج، لكن الحكومة تمول أيضا بعثات مونتريال الدولية وكيبيك الدولية. كما تم إنشاء Recrutement Santé Québec، التي تدعم المرشحين والمؤسسات أثناء عملية التوظيف والهجرة”، معلقة على أن “هذا التجنيد ما زال يزعج أولئك الذين يدفعون الثمن حقيقة: الدول المعنية، التي ترى قواها الحيوية، التي تحتاجها أيضا، تغادر وتختفي”، (…) رغم أن “زخم التوظيف هذا لن يتوقف في أي وقت قريب، إذ أعلنت مدينة كيبيك للتو أن عتبات الهجرة سترتفع إلى 50 ألفا في عامي 2024 و2025”.
وتظل مشكلة الهجرة في المجال من بين الملفات المطروحة على وزارة الصحة المغربية لتعزيز جاذبية القطاع بالمغرب، بوصفها “خسارة كبيرة للقطاع الصحي المغربي”؛ وكانت “مؤسسة أساتذة الطب بالقطاع الحر” قدمت قبل شهور أرقاما بينت أن “المغرب يفقدُ 600 إلى 700 طبيب كل عام، أو 30 في المائة من الأطباء المدربين حاليا”، وكان ذلك في دراسة بعنوان “هجرة الأدمغة في المجال الطبي بالمغرب.. تهديدات أم فرص؟”. وهذا بالرغم من أن وزير الصحة خالد آيت الطالب صرح بأنه لا يمكن وقف هذه الظاهرة.
وأيضا، أوضحت “مؤسسة أساتذة الطب بالقطاع الحر” أن “هذا النزوح الذي تشمله الأرقام يلمس جميع الفئات، من طلاب الطب إلى الأخصائيين الطبيين والمدرسين”، وأكدت أن “هذا النزوح الخارجي يفاقم العجز الحالي، وتأثيره ذو شقين: كمي وقبل كل شيء نوعي لأنه بشكل عام الأفضل هو من يغادر”؛ ما دفع المؤسسة لدق ناقوس الخطر معتبرة أنه، وفي فجر تعميم التغطية الطبية، يواجه المغرب عجزا على مستوى الكفاءات الطبية”.
ولا تنفي وزارة الصحة والحماية الاجتماعية “ثقل هذا الإشكال”، إذ ظل طيفه حاضرا ضمن الحوار القطاعي بين الوزارة والنقابات المهنية. كما أن أرقاما رسمية حديثة صادرة عن الوزارة ذاتها ذهبت في اتجاه معطيات دراسة “مؤسسة أساتذة الطب بالقطاع الحر”، إذ كشفت أنه إلى حدود شهر دجنبر من العام الماضي يزاول 28 ألفا و892 طبيبا أعمالهم بالمغرب؛ في حين أن ثلث الأطباء المتخرجين محليا يمارسون عملهم بالدول الغربية.