أخبار
محمد الرويس ينجذب إلى الاستثمار والخدمات المعلوماتية بالمغرب وكندا
مثلما جمع بين العمل والدراسة منذ أن وطئت قدماه التراب الكندي، بمنح الكد الأولوية وجعل التحصيل في المرتبة الموالية، يمزج محمد الرويس بين الطموحات الاستثمارية وتقديم الخدمات المعلوماتية، ويقسم جهوده بين الالتزامات التعاقدية الواضحة، والمبادرة المقاولاتية من أجل العمل لحسابه الخاص، ثم يواصل السير على سكتين حتى يصير جزء من أدائه المهني بالمغرب والآخر بكندا.
وقد حرص المغربي نفسه على تطوير مهاراته بالاعتماد على التجربة والخطأ، مواظبا على الالتزام بهذا التوجه منذ اختياره حصد سمعة جيدة في كبيك عبر النتائج التي يصل إليها بالعمل الجاد، والتي تلقى إشادة من يطلبون خدماته، بينما صارت اشتغالاته تتخطى الفعل في الحاضر لترتبط بمساعي الاستشراف المستقبلي لنتائج الثورة المعلوماتية المتسارعة.
ابن الحي الحسني
يعلن محمد الرويس الافتخار بالمغرب، والاعتزاز بالنشأة في مدينة الدار البيضاء رغم ارتباط عائلته بالتجمع في مراكش. ويرى أن ذكريات الطفولة في حي الألفة، وما يرتبط بتلك الفترة في مقاطعة الحي الحسني عموما، تبقى مصدرا لضخ الفرح والابتهاج في ذاته حتى اليوم، ووقودا لتجديد الإصرار على النجاح كلما صادف إحدى العثرات في الهجرة.
يقول محمد: “كبرت مع أختي في كنف أسرة متوسطة الحال، من أب يعمل جمركيا وأم ربة بيت، وقد افتتحت مساري التعليمي في مدرسة مصباح، وصولا إلى نيل شهادة الباكالوريا من ثانوية ابن الياسمين، ثم جاء دور التعليم العالي في العلوم الاقتصادية بجامعة الحسن الثاني”.
ويؤكد أن التفكير في الهجرة كان حاضرا لديه ما بعد حصوله على “الباك”، لكن ذلك كان يرتبط أساسا بالانتقال صوب الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم حصوله على “البطاقة الخضراء” حينها، فقد اعتبر العيش في كندا أكثر جاذبية، وبالتالي تحرك نحو مدينة مونتريال في كبيك.
تخطي الصدمة
وصل محمد الرويس إلى كندا بالتزامن مع السنة الأخيرة من القرن العشرين، وصار ملزما بالتأقلم مع إيقاع الاستقرار في البلاد التي اختار أن يحط بها الرحال، لكن التحدي الأساسي تمثل في استيفائه كافة الاحتياجات اليومية بالاعتماد على مجهوده الشخصي فقط؛ هو الذي كان يتكل على باقي أفراد الأسرة في التعامل مع قسط وافر من مثل هذه الأعمال.
“كنت أتوفر على صديق واحد يعيش بعيدا عن مكان استقراري في كندا، وقد عشت صدمة ثقافية حقيقية في البداية”، يورد محمد قبل أن يتابع قائلا: “جئت من وسط اجتماعي مغربي يتسم بدفء المعاملات مع الناس، وقد كبرت معتادا الحديث حتى مع من لا يعرفونني، وفجأة صرت وسط بيئة متسمة بالبرودة في التواصل بين البشر غير المتعارفين مسبقا”.
ويذكر أنه احتاج سنة للاعتياد على أسلوب العيش في الهجرة، وخلال هذه الفترة نسج صداقات وحرص على التحرك بحرية للاندماج أكثر فأكثر، وبعدها صار حريصا على استعادة طباعه المغربية في التعامل مع المحيطين به، ليعلن أخيرا مفارقة الصدمة التي أحس بها عند وصوله إلى مونتريال أول مرة.
تعديل استراتيجي
بالإضافة إلى الاهتمام بالعلوم القانونية من خلال التكوين الجامعي في الدار البيضاء، تمسك محمد الرويس بالتكنولوجيا في الديار الكندية، لذلك ارتأى التسجيل في “مدرسة البوليتكنيك” للتخصص في المعلوميات، لكن الوافد الجديد على هذه التجربة لم يتمكن من المواكبة، وقرر استدراك الوضع بتعديل استراتيجي في الوجهة.
يذكر محمد أن وضعيته الإدارية، كطالب أجنبي في كندا، ألزمته دفع مقابل مالي كبير للاستفادة من التعليم العالي بمونتريال، عكس ذوي تراخيص الإقامة الدائمة الذين يؤدون رسوما مقبولة من أجل الاستفادة نفسها، مما يعني أنه ظل غير قادر على مسايرة المتطلبات المالية المرتفعة لمدة زمنية تناهز 5 سنوات، وبالتالي اختار تعديلا استراتيجيا يعيد ترتيب الأولويات.
ويضيف “رأيت أن الحل يرتبط بالدخول إلى معهد مهني، وحرصت على نيل دبلوم في المعلومات بتسريع استكمال وحدات التكوين في زمن يقل عن السنة الواحدة، ومنذ ذلك الوقت لم أتوقف عن العمل، ثم عدت لاحقا إلى مبتغاي الأولي لأدرس المعلوميات بكلفة مالية معقولة”.
في كندا والمغرب
استهل المزداد في البيضاء مساره المهني ببلدية كوط سان-لوك بمونتريال متدربا ثم رسميا، ثم انتقل إلى الاشتغال في شركة “توماس أند كوك”، المشتهرة عالميا بأدائها في تنظيم الأسفار، وفيها عمل مديرا معلوماتيا سنة قبل أن يقرر قبول عرض “IBM” المتعلق بالهندسة المعلوماتية التقنية.
“أمضيت في “IBM” أطول مدة استقرار في حياتي المهنية، وتعاملت مع زبناء كبار أبرزهم البنك الوطني، ومصرف “لورونسيان”، و”بومبارديي”، وحكومة مانيطوبا، لكن الأهم يبقى قضائي شهرين في المغرب من أجل خدمات طلبها “التجاري وفابنك”، ووقتها كان يحتاج تنظيم البنية التحتية الرقمية لتوسعه في القارة الإفريقية، وبذلك أتيحت لي فرصة التعرف على كفاءات مغربية ذات مستوى يعادل ما هو متواجد في كندا”، يحكي محمد.
من جهة أخرى، أطلق المنتمي إلى الجالية المغربية مقاولته الخاصة بتقديم الخدمات والاستشارات المعلوماتية، وقد ميزها بالتعاطي من المغرب مع طلبات كندية، إذ يتوفر على طاقم مستقر في الوطن الأم لإنجاز المطلوب؛ لكن الأداء المفصلي للرويس يبقى في شركة “GTI” للاستشارات، المتواجدة بين مونتريال وكندا، حيث يمسك بفريق من 30 عنصرا مختصا في رصد التكنولوجيات الجديدة بغية تحضير الموارد للتعامل معها في المشاريع المستقبلية.
انتظارات من جهتين
يأمل محمد الرويس أن يفلح ضمن المهام الموكولة إليه في “GTI Canada”، والمرتبطة أيضا بتعريف الزبناء بالسير الجيد للمشاريع المقدمة، والحرص في التخطيط على احترام المعايير واستحضار التطوير، ثم التحلي بالدقة في التنزيل. ويضيف “الرئيس الحالي قريب من التقاعد، وأتمنى أن أكون مستعدا لمسؤولية حمل المشعل في المرحلة الموالية”.
كما يقر المغربي نفسه، المستقر في كندا منذ ما يقارب ربع قرن من الزمن، بأن الشركة التي يمنحها القسط الأكبر من مجهوده المهني تحرص، من بين أمور عديدة أخرى، على الاستثمار في مقاولات صغيرة قادرة على تقديم قيمة مضافة، وهناك مفاوضات قائمة للمشاركة في رأسمال الشركة التي سبق أن أنشأها، ولديها طاقم مستقر في المغرب، ويأمل أن يتم إبرام الصفقة بما يتيح إعلاء إيقاع العمل أكثر.
ويضيف “لدي رغبة صادقة في تطوير شركتي المرتبطة بالمغرب، مع توسيع النشاط ليصل إلى تأسيس مراكز لتخزين البيانات، إذ أتوفر على فكرة واضحة في هذا الإطار وقد حددت موقع الوعاء العقاري المناسب، وفي هذا الوقت أعمل على حسم التفاصيل المرتبطة بالتخطيط والتمويل”.
بين الهجرة والأسرة
يوصي محمد الرويس المقبلين على الهجرة حديثا بالتركيز على ما يقومون به واحترام الاتفاقات المبرمة مع ذواتهم ومع الغير، رافضا أن تعطي هذه الشريحة اهتماما أكثر من اللازم لكلام الناس ونظرتهم، إذ يرى أن الكلام الحقيقي يتم اختصاره في النتيجة التي يصل إليها الفرد بالجهود المبذولة.
ويردف الخبير في المعلوميات أن “اختيار الهجرة يعني رفض الاستسلام، وهذا ما يجب أن يشعل حماس المهاجرين كي يعملوا بلا توقف حتى يحققوا ما يريدون، ولا داعي للأداءات الروتينية إذا كانت لا تفي بالغرض المأمول منها، فالحياة عابرة ويجب أن نعبر معها نحو الأفضل دائما”.
“على الصعيد الشخصي الصرف، يحتاج الناس مرافقة الجيدين لينهلوا من النقد البناء في الهجرة، بينما يتفادون الضياع في فضاء الاستقرار إذا تمكنوا من إرساء أسس أسرية متينة، فاليقين أن تأسيس نواة مجتمعية خاصة بالشخص تساعد على مواصلة التقدم بوتيرة عالية أكثر من الآخرين”، يختم محمد الرويس.