سياسة وعلاقات دولية
التواصل الحكومي يتعزز بموقع تفاعلي.. خبراء: مبادرة محمودة تحتاج التطوير
رغبة رسمية واضحة في تعزيز التواصل العمومي بين الحكومة والمواطنين، مع العمل على ضمان قناة تواصلية سريعة وفعّالة تجسدت في إطلاق الجهاز التنفيذي للبوابة الإلكترونية تحت اسم “موقع الحكومة المغربية” بحر الأسبوع الجاري.
أهداف هذه البوابة الإلكترونية تتمثل، حسب المعلَن في بلاغ رسمي لرئاسة الحكومة (توصلت به هسبريس)، في تعزيز التواصل الحكومي والتفاعل مع المواطنات والمواطنين.
ومن خلال “معطيات دقيقة ومُحيَّنة”، يسعى الفاعل الحكومي، حسب إفادات المصدر ذاته، إلى “التعريف بجميع البرامج والأنشطة التي تقوم بها الحكومة، وتقديم مختلف الشروحات المتعلقة بها للمواطنين قصد تمكينهم من تتبع الإجراءات الحكومية، والوقوف على التقدم الحاصل في تنزيل مختلف الأوراش”.
كما تعرض هذه البوابة المحاور الرئيسية الثلاثة للبرنامج الحكومي، خصصت لها صفحات خاصة بكل محور (“تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية”، و”إنعاش الاقتصاد لخلق فرص الشغل”، و”تكريس فعالية الإدارة لخدمة المواطن”).
تبويبات هذا الموقع، الذي تصفحته جريدة هسبريس، تتيح للمواطنين إمكانية الاطّلاع على “مقتطفات من الخطب والأنشطة الملكية”، وكذلك التعرف على مدى تقدم مختلف البرامج الحكومية على غرار “الدعم الاجتماعي المباشر”.
“آخر المستجدات”، قسم آخر يجمع “فضاء الأخبار”، الذي يعرض الأخبار الآنية والمستجدة، و”ملفات ومقالات” تسلط الضوء على العديد من الملفات بشكل معمق. كما توفر البوابة “مكتبة الفيديو” وروابط خاصة بها على منصات التواصل الاجتماعي على صفحات رسمية للحكومة وأنشطتها.
ولتحقيق التفاعل المرجُوّ مع الرأي العام، خصصت بوابة “الحكومة” قسم “شارك/ي برأيك ومقترحاتك” لإشراك المواطنات والمواطنين في عملية مباشرة لـ”إبداء آرائهم ومقترحاتهم بخصوص برامج وإجراءات الحكومة”.
الموقع الحكومي الجديد، الذي أنجز لضمان التواصل مع الرأي العام الوطني يتوفر (حاليا) على نسخة باللغة العربية بولوج عبر أجهزة الحاسوب أو نسخة الهواتف المحمولة. ويرى متتبعون وخبراء أن هذه الخطوة وسيلة لتعويض “الحضور الباهت”، الذي يبصم عليه بعض الوزراء في خرجاتهم الإعلامية الرسمية دون أي نقاش سياسي حقيقي للقضايا التي تشغل بال المغاربة.
“مبادرة بمجهودٍ مُقدَّر”
وتعليقاً على هذه الخطوة ومدى إتاحتها هامش التفاعل مع المغاربة المهتمين بتتبع أخبار حكومتهم، قال مروان هرماش، الخبير في الاتصال الرقمي، إن “هذه المبادرة لا يمكن إلا تثمينها”، مسجلا أنها “تُعزز تواصل الحكومة مع عموم المغاربة”، مشيرا إلى أنها “تأتي تتويجاً لمجموعة من المبادرات التي سبقَتْها، إذ جاءت مسبوقة بإنشاء وتوثيق حسابات في منصات التواصل الاجتماعي”.
ولاحظ هرماش، في إفادات تحليلية خص بها جريدة هسبريس حول الموضوع، أن هذا المجهود “يبدو مقدَّراً بالنظر لحجم الرهانات التواصلية التي تحذو عمل الفعاليات الحكومية والقطاعات الوزارية”، مما يعني بحسبه “استعادة الوعي بأهمية التواصل الحكومي خاصة، والعمومي/ السياسي عامة، ولو أنه يأتي نسبياً متأخّراً بعد أزيد من سنتين من تنصيب الحكومة وقُربِ انتصاف الولاية التشريعية الجارية”، غير أنه استدرك قائلا: “هذه خطوة أولى على طريق الألف ميل”.
وتابع الخبير الرقمي “هناك مجهود في التواصل لا تخطئه العين عبر أشكال عصرية في التواصل من خلال كبسولات ومقاطع فيديو، والاعتماد على الرسومات البيانية والأشكال البصرية في التواصل الإلكتروني على الحامل الرقمي لتبْيان منجزات وحصيلة تقدم إنجاز الأوراش الحكومية في مختلف القطاعات، مع إتاحة الموقع لهامش الاقتراح والمشاركة بالرأي في مشاورات تطلقها الحكومة حول قضايا تهمّ الرأي العام أو مشروعا اجتماعيا مثلا”.
“فاعلية معطوبة”
“إجمالاً نرى بأن التواصل الحكومي يعيش نوعاً من المركزية”، يرصد هرماش في حديثه لهسبريس، لافتا إلى “وجود تفاوت في مبادرات مختلفة لدى بعض الوزراء، الذين يحرصون على دينامية قوية في التواصل مقابل وزراء آخرين غير فاعلين ونشطِين، لدرجة أن أسماء بعضهم غير معروفة لدى الجمهور نظراً لعدم قدرتهم على التواصل”.
كما بسط ملاحظات في إطار التجويد قائلا: “هي مبادرة محمودة لتعميق التواصل الحكومي، خاصة في ظل ضُعف الفاعل السياسي، وتقهقُر دور وجهود التنظيمات الموازية (الشبابية والنسائية)، التي تفسح المجال للتواصل على مستوى ائتلاف الأغلبية أو حسب الهيئات الحزبية فقط”.
وفي تقدير المختص في التواصل الرقمي، فإن فاعلية التواصل السياسي، رغم الأرقام المعمَّمة، تظل معطوبة نظراً لأسباب يظل أبرزها غياب دور هيئات الوساطة الاجتماعية، الذي يعد هيكلياً بين الدولة والشعب، ولانعدام الثقافة السياسية، رغم أن المغاربة سياسيون بطبعهم، ويحاولون فهم الفعل السياسي عبر مواقع التواصل والتعليق عليه”.
وخلص إلى أن “التواصل السياسي ضعيف بالمغرب”، محددا أسباب ذلك في “انعدام حركية النشاط السياسي في المجتمع”، و”خوف الفاعل السياسي الحكومي من عملية التواصل ربما خشية إحساسه بانعدام الشرعية”، وكذا “انعدام استراتيجية العامة للتواصل”، قبل أن يختم تصريحه بالقول: “يجب أن يُبذَل مجهود إضافي في تبسيط المعلومة الحكومية الرسمية لمختلف الفئات الشعبية المستهدَفة”.
“معالجة جوانب النقص”
خيط “تثمين المبادرة بإنجاز موقع إلكتروني للحكومة” التقطه محمد عبد الوهاب العلالي، الأستاذ ومنسق ماستر “التواصل السياسي والاجتماعي” بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، قائلا: “هذه مبادرة إيجابية في الظرف الراهن، وسط ملاحظات عامة بوجود شُحّ في التواصل الحكومي ومدى التأثير على الرأي العام. وبالتالي، هذه المبادرة عمل يسير في الاتجاه الصحيح لمعالجة جوانب النقص في التواصل الحكومي”، ولأجل “جعل المواطنين يتابعون ما تقوم به الحكومة وبرامجها والأخبار حول الإنجازات والصعوبات القائمة”.
الخبير في قضايا التواصل السياسي والعمومي أشار، في تصريحه لهسبريس، إلى وضع المبادرة التواصلية المذكورة في سياق “الثورة الرقمية الحاصلة على الصعيد الكوني الشامل، كما أن كثيرا من الحكومات والدول ترتقي بمعاملاتها وتفاعلاتها وخدماتها مع الجمهور لتحويلها إلى خدمات رقمية عن بعد”.
“تواصل متعدد الاتجاهات”
“غير أنّ اعتماد المفهوم الصحيح للتواصل السياسي الحكومي عبر الوسائط الرقمية يستدعي من المبادرة الحكومية الإيجابية أن تتبنى الأسس السليمة والاستراتيجيات المعمول بها في هذا الصنف من التواصل”، يستدرك العلالي، موصياً بـ”اعتماد كل أشكال التواصل السياسي بين الفاعلين والمؤسسات والرأي العام”، و”تواصل متعدد الاتجاهات من السلطة الحكومية إلى الرأي العام”.
كما شدد على ضرورة “تبني التواصل النازل بتعريف المواطنين بالقرارات وتقييم الإنجازات وبعض الإجراءات التي تحتاج متابعة”، إضافة إلى “التواصل الأفقي بين مكونات السلطات التنفيذية وغيرها”، دون إغفال “مستوى ثالث هو التواصل الصاعد من الجمهور إلى الحكومة لأنه أساسُ كل عمليات التواصل السياسي الحكومي”.
ولفت أستاذ التواصل السياسي إلى أن “ذلك يؤشّر على مدى استماع الحكومة إلى الرأي العام واهتماماته وردود فعله وقضاياه”، مسجلا أن “هذا القرار يدخل في نطاق “الحكومة المنفتحة”، التي تقتضي استخدام وسائل رقمية لتواصل الحكومة مع الجمهور على نحو عام، ومع المجتمع المدني والأحزاب، على اعتبار أن الحكومة المنفتحة توسّع المشاركة والديمقراطية التمثيلية لكون التواصل من آلياتها الأساسية”.