بعدما كانت المتابعات التي تعرفها ردهات المحاكم طيلة الأسابيع الماضية لصيقة بالسياسيين الذين تحوم حولهم شبهات تبديد أموال عمومية، أو يجري التحقيق معهم بهذا الخصوص، بدأت الأنظار تتجه إلى رجال المال والأعمال وأصحاب الشركات الكبرى بعد إيداع عزيز البدراوي، صاحب شركة “أوزون” المختصة في تدبير قطاع النظافة، السجن بسبب صفقات فازت بها شركته بطرق مشبوهة بجماعة بوزنيقة.
وتأتي هذه المتابعة لتفتح الباب على مصراعيه وتعيد النقاش حول الصفقات العمومية بالبلاد، والشركات “المحظوظة” التي تستحوذ عليها بطرق “مشبوهة”، الأمر الذي يحفز مؤسسات وفعاليات المجتمع المدني على المطالبة بإعادة فتح ملفات العديد من الصفقات التي شهدتها المملكة خلال السنوات الماضية.
مجال خصب للفساد
في تعليقه على الموضوع، يرى محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن “الصفقات العمومية مجال خصب للفساد والاغتناء غير المشروع”، مبرزا أن “بعض المقاولات استغلت هذا المجال، إذ أصبح أربابها يتوفرون على ممتلكات وأموال كبيرة، ومنهم من يتوفر على ممتلكات خارج المغرب”.
وأضاف الغلوسي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المقاولات المعنية كانت بسيطة وصغيرة جدا، وتحولت في ظرف قياسي إلى مقاولات محظوظة تفوز بالصفقات الكبرى بفضل شبكة من العلاقات”، وزاد مبينا: “الصفقات التي تبلغ قيمتها ملايير الدراهم باتت تفوز بها هذه المقاولات، وكان من الطبيعي أن تفصل على مقاسها، انطلاقا من دفاتر التحملات أو الشروط الإدارية والمالية للصفقة”.
ومضى الوجه البارز في الدفاع عن حماية المال العام بالمغرب قائلا: “نظرا لكون أصحاب هذه الشركات يدفعون أموالا مقابل الحصول على الصفقات فمن الطبيعي أن يكون هناك غش وعيوب تشوب الأشغال التي أسندت إليهم”.
فتح مسطرة غسل الأموال
انطلاقا من هذا الواقع، دعا الغلوسي القضاء إلى التحرك، موردا: “نطلب من النيابة العامة أن تفتح أيضا مسطرة غسل الأموال ضد بعض أصحاب المقاولات الذين استفادوا من مجال الصفقات العمومية، في جميع القطاعات، وراكموا ثروات هائلة، ولديهم الآن مشاريع استثمارية في العديد من المجالات”.
وزاد المتحدث موضحا أن “هذا المطلب تسنده المعطيات التي وردت في بعض التقارير، وتؤكد أن 14 ألف مقاولة على حافة الإفلاس، بمعنى أن هناك مقاولات صغيرة وصغيرة جدا تعاني وتواجه وضعا معقدا لأن هناك شركات محظوظة ومعدودة على رؤوس الأصابع استحوذت والتهمت سوق الصفقات العمومية”.
نجاحات “وهمية”
من جهته اعتبر يونس بوبكري، المنسق الوطني للجنة الوطنية للخبراء والقوانين بالهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، أن “قضية البدراوي كشفت الوجه الحقيقي والجانب الخفي من نجاحات وهمية لرجال أعمال ببلادنا، لا تستند للأسف إلا على المحسوبية وتضارب المصالح واستغلال نفوذ المنتخبين”.
وأضاف بوبكري، في تصريح لهسبريس، أن “هذه القضية تبين بالملموس غياب رقابة فعلية من السلطة الوصية على حسن تدبير المالية العمومية، وكيف أصبحت صفقات التدبير المفوض كعكة يتم اقتسامها في ما بين العديد من المتدخلين عوض ابتكار خدمات في مستوى انتظارات المواطنين”.
ودعا المتحدث ذاته إلى “إعادة النظر في كيفية اختيار البروفيلات السياسية من طرف المؤسسات الحزبية ومحاسبة الساهرين عليها، لأنه لا يمكن القبول باستمرار هذا المشهد المأساوي باستغلال تمثيلية المواطنين لنهب الميزانيات العمومية وإفراغ البرامج الحكومية من أهدافها”.
وأشار الحقوقي ذاته إلى أن “هذه الملفات والقضايا تبين أن آلية الديمقراطية قد تستغل كوسيلة لنهب ثروة المواطن والمجتمع والسطو عليها من لدن أشخاص يفترض فيهم أن يكونوا أمناء عليها”، مؤكدا أن “هذا الأمر يسائل مؤسسات الحكامة ببلادنا التي تم إنشاؤها منذ سنوات حول مدى نجاعتها في معالجة إشكالية الفساد، وتخليق تدبير الشأن العام والتدبير المفوض على الخصوص، الذي يمتص ميزانيات ضخمة سنويا بدون نجاعة حقيقية في تحسين خدمات المواطنين أو تطوير شروط الاستثمار أو التشغيل بالنسبة للعاملين”، حسب تعبيره.
المصدر : هسبريس