مع كل احتفاء سنوي بالمرأة، المخلَّد أمميا وكونيا في الثامن من مارس كل سنة، تبرز عدد من الكفاءات المغربية المُشعّة خارج المغرب، لعل اسم أمينة كرم، المتخصصة المغربية في مجال هندسة تشييد الأنفاق، واحدة منهن، لا سيما باستحضار أنها كفاءة تميزت في مجال مهني ظلَّ دوما “حكرا على الذكور”.
تُشرف كرم (40 عاما) على إدارة 3 آلاف موظف (ما بين مهندس وعامل بناء) في واحدة من أشهر الشركات الألمانية؛ ما يُبوئها مكانة مرموقة ضمن مهندسات السكك الحديدية والأنفاق. سبق أن خاضت تجاربَ مشاريع عالمية في كل من الجزائر ومصر وألمانيا.
من القنيطرة إلى هامبورغ
نشأت أمينة كرم في مدينة القنيطرة، وهي الأصغر من بين 5 أشقاء. وقد تلقّت تعليمها الابتدائي والإعدادي في “مدرسة التقدم الإسلامية”، قبل أن تدرس الثانوي في “ثانوية عبد المالك السعدي”، لتتوج مسارها الدراسي بحصوله في رحاب هذه الأخيرة على شهادة الباكالوريا.
ببلوغها الثامنة عشرة من عمرها، قررت أمينة كرم “الانتقال” إلى مدينة كولونيا في ألمانيا، بهدف مُواصلة دراستها الجامعية.
تسرد أمينة كرم، في تواصل مع جريدة هسبريس الإلكترونية، بأنها “كانت تخطط في البداية للذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومواصلة دراستها هناك في بلاد العم سام؛ ولكن بسبب الأسباب المالية (نتيجة لمرض والدها) لم يكن ذلك ممكنا. لذلك، كانت وجهة دراساتها الجامعية هي ألمانيا.
لعل من “أكبر وأوّل التحديات في ألمانيا” التي واجهتها كرم كانت أن تجد نفسها “وحيدة فجأة”، فضلا عن كيفية توفيقها بين الدراسة والعمل في الوقت نفسه لتُساعد نفسها وعائلتها.
حسب المهندسة المغربية التي تدير حاليا مشروعين ضخميْن للأنفاق بمؤسسة السكك الحديدية الألمانية، فإن “الفترة الأولى بعد هجرتها مرَّت صعبة للغاية؛ لكنها كانت تفكر دائما في والدها (توفي فيما بعد)، الذي كان يؤمن دائما بها وكان يقول لإخوتها الأربعة بأنه متأكد أنها ستتمكن من النجاح”.
“لم تكن الدراسة سهلة أيضا، حيث كنتُ الوحيدة بين الرجال في تخصص بناء وتشييد الأنفاق، وهو تخصص يهيمن عليه الرجال”، تضيف أمينة كرم في حديث مع هسبريس، لافتة إلى أنه بعد تخرجها، اشتغلتْ كمهندسة مدنية في شركة “شتراباغ”، التي تحتل المرتبة الأولى في ألمانيا في مجال البناء؛ قبل تتقدم تدريجيا في وظيفتها ومسارها المهني.
بحلول عام 2011، فُتِحت أمام الكفاءة الهندسية المغربية “فرصة حياتها” (وهي البالغة حينها 27 سنة) بعدما تم إرسالها من ألمانيا من قِبل شركة شتراباج كـ”مديرة فنية وتقنية” إلى الجزائر؛ لبناء خط “مترو” يمتد على مسافة 16 كيلومترا في العاصمة الجزائر خلال أربع سنوات، يتضمن شبكة أنفاق ومحطات.
أما في نهاية عام 2013، تم اختيارها من بين الآلاف من الموظفين للمشاركة في دراسة بالتعاون بين “شتراباج” و”الجامعة التكنولوجية فيينا” في النمسا؛ بينما خُصصت مضامين الدراسة، أساسا، لـ”إدارة المشاريع الكبيرة”.
في عام 2015، تسرُد المهندسة المدنية المغربية تجربة مُلهمة قادَتْها إلى مصر طيلة ثلاث سنوات، خلال الفترة بين عاميْ 2015 و2018، لتعمل كقائدة لمشروع عملية حفر الأنفاق تحت “قناة السويس”.
“كان هذا بالنسبة لي في مصر مشروعا هائلا”، تشرح كرم لجريدة هسبريس، مسجلة أن “اثنين من الأنفاق الطرقية ذات الأنابيب المزدوَجة بين بورسعيد والإسماعيلية، والتي تعزز الآن ربط شبه جزيرة سيناء، إجراء ذو أهمية كبيرة للخدمات اللوجستية الإقليمية والدولية، إذ بدلا من الانتظار لمدة تصل إلى خمسة أيام من أجل العبور. أما الآن يمكن للسيارات والشاحنات الآن عبور القناة في مدة 10 دقائق، على عمق تحت الأرض يناهز 60 مترا”.
اشتغال كرم، حينها، في “بلاد الفراعنة” لم يكن ليتمَّ ويكتمل إلا بمساعدة من آلاف المهندسين والعمال؛ غير أن اللافت أكثر هو كونها المرأة الوحيدة والمتخصصة. “في مثل هذه الحالات، كان عليّ أن أتعلَّم كيف أدافع عن وجهة نظرها. كان المشروع السابق في الجزائر استعدادا جيدا لذلك. الأهم هو المعرفة التقنية والقدرة على التعامل مع جميع الأشخاص”، وفق تعليقها.
إدارة مشاريع ضخمة بألمانيا
في تواصلها مع جريدة هسبريس، أكدت كرم أنها تُدِير (حاليا) “مشروعين ضخميْن لدى السكك الحديدية الألمانية”؛ أحَدُ هذيْن المشروعين ليس سوى “مشروع S4” في مدينة هامبورغ الكبيرة (شمال ألمانيا)، ويعد “أكثر المشاريع تعقيدا، يتضمن بناء مسار جديد بطول 74 كيلومترا بين هامبورغ وأهرنسبورغ. ويقوم هذا المشروع بربط ولايتَيْن في الشمال الألماني”. أما المشروع الثاني هو “تجديد كامل لممرّ النقل الرئيسي بين هامبورغ ولوبيك، الذي يُعتبر الأهم في شمال قارة أوروبا بكاملها؛ إذ سيتم “تجديد وتحديث المسار بالكامل، وتزويده بأحدث التقنيات بما في ذلك نظام التحكم الإلكتروني (ETCS Level 2)”. ومن المرتقب، بعد انتهاء المشروع، أن تتمكن القطارات من السير على المسار “دون الحاجة إلى إشارات”.
في هذه المشاريع الضخمة، التي تبلغ قيمتها أكثر من 6 مليارات يورو، فإن المهندسة المغربية لا تتولى فقط إدارة المشروع الشامل، ولكن -أيضا- “دورا سياسيا مهما”، إذ تظل “مستمرة في المفاوضات مع الوزراء والنواب”. وتزيد معلقة بهذا الشأن: “في هذا النوع من المفاوضات، يجب أن يكون المرء ليس فقط جيدا في الأرقام وإدارة المشاريع؛ ولكن أيضا يجب أن يتصرف بشكل دبلوماسي وتوقُّعي للغاية”.
على هامش الاحتفاء العالمي بالمرأة وتخليد “عيد 8 مارس” هذه السنة، خصَّت أمينة كرم جريدة هسبريس بهذه الدردشة:
في رأيك وتقديرك، ما سِرُّ نجاحك طيلة مسارك المهني؟
في رأيي، يمكن للجميع أن يكونوا ناجحين إذا حددوا أهدافا واضحة في الحياة وعرفوا ما يريدون تحقيقه. الثقة بالنفس والله، والصدق، ثم القدرة على أداء المهام بكفاءة، هي عناصر حاسمة؛ والأهم من ذلك هو أن يكون الشخص قادرا على التمسك بمبادئه.. أما الباقي فيتوَلّاه الله.
ما شعورك وأنت تعملين ضمن تخصصك في مجال يشهد “سيطرة ذكورية” بامتياز؟
من الرائع أن يظهر الشخص أن النساء يمكنهن أن يَكُنَّ ناجحاتٍ بالقدر نفسه كالرجال، إن لم يكن أكثر. الاحترام يجب أن يُكسب. في عالم المشاريع، لا يهمّ الجنس أو النوع الاجتماعي بل الأداء، ومن خلال الأداء، يُكسب الشخص الاحترام.
كيف تتعاملين مع المشاكل والعقبات غير المتوقعة أثناء تنفيذ وإدارة مثل هذه المشاريع الكبرى؟
بالنسبة لي، لا توجد مشاكل، بل تحديات فقط. وأنا أستمتع بالتحديات، لأنها تمنح الفرصة لإيجاد الحلول وتطوير النفس والفريق معا.. كل مشكلة تحمل في طياتها فرصة للحل والنمو.
باعتبارك كفاءة مغربية راكمت تجارب في مجال هندسة الأنفاق، هل تعتَزِمِينَ العودة إلى المغرب؟
هذا سؤال لا يمكن الإجابة عنه بسهولة، لأنني قد أسَّسْتُ هنا في ألمانيا نقطة حياتي انطلاقا من مسار خلال السنوات الـ22 الماضية؛ ولكن إذا احتاج بلدي إليَّ، فأنا بكل سرور على أتمّ الاستعداد لتقديم المساعدة. وسيسعدني أن أضع خبرتي الطويلة في تطوير وتنفيذ مشاريع البنية التحتية، سواء من الناحية السياسية أو التقنية، بدءا من تقنية السكك الحديدية إلى الأنفاق المعقَّدة.. وأعتقد أن كل مواطن مغربي فخور يتمنى أن يساهم في تطوير بلاده.
أيّة نصيحة ورسالة يمكنك تقديمها للشباب والأجيال الصاعدة، سواء رجالا أو نساء؟
آمِنُوا بأنفسكم وبأحلامكم وأهدافكم. الجميع يمكن أن يحقق النجاح إذا كانت الإرادة موجودة حقا. التعليم هو الأمر الحاسم. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نكون فخورين ببلدنا وبكوننا مغاربة، وعاش مَلكنا الحبيب، الملك الذي بفضل رؤيته قاد هذا المغرب الحديث في جميع المجالات.
بالنسبة للنساء المغربيات، أودّ أن أقول لهن يجب أن تكُنَّ أكثر جرأة، وإننا كنساء مغربيات نتمتع بمستوى ذكاء عالٍ؛ وبالتالي يمكننا وينبغي علينا تحمل المزيد من المسؤولية القيادية في جميع المجالات.
المصدر : هسبريس