أنعكس توالي سنوات الجفاف وندرة المياه وإجهاد فرشاته المائية على سوق بيع التمور بالمغرب؛ وهو ما اضطر المغرب إلى “الرفع من وتيرة الاستيراد” لكي يُلبي حاجياته من هذه المادة الرمضانية الحيوية. ولم يتجاوز الإنتاج المتوقَع 115 ألف طن من التمور برسم الموسم الفلاحي 2023-2024 “بزيادة 6,5 في المائة مقارنة بالموسم السابق بالرغم من الظروف المناخية الصعبة”، حسب معطيات رسمية لوزارة الفلاحة والتنمية القروية.
وبينما تؤكد الوزارة الوصية على “مواصلة دينامية تطوير ‘سلسلة نخيل التمر’ في إطار استراتيجية الجيل الأخضر” عبر “عقد–برنامج جديد” (وُقع في 4 ماي 2023) يحدد التزامات الفيدرالية البيمهنية المغربية للتمور “تمور المغرب” والدولة من أجل تنفيذ البرنامج وحكامة تنظيمه المهني في أفق 2030، اضطر المغرب إلى رفع فاتورة استيراد التمور من دول مختلفة، حسب أرقام مكتب الصرف.
ووفق إحصائيات رسمية سنوية صادرة عن المكتب، طالعتها جريدة هسبريس، فإن المغرب الذي يعد سابع دولة مصدرة للتمور عالميا، لجأ إلى “استيراد أزيد من 132 ألف طن، بكلفة ناهزَت 2,5 مليارات درهم، مقابل استيراد 109 آلاف طن سنة 2022 بكلفة تقدر بـ2,14 مليار درهم، أي بزيادة 23 ألف طن، خلال عام واحد فقط.
ويشْكو مهنيون ينشطون في سلسلة التمور من جهة درعة تافيلالت، التي تعد الجهة الرئيسية وطنيا لإنتاج نخيل التمر، إذ تساهم بأكثر من 79 في المائة من الإنتاج الوطني للتمور بحجم 91 ألف طن، من “تضرر الإنتاج الوطني والمحلي بموجات الجفاف الذي عرفه المغرب في الموسم الفلاحي الماضي”، فضلا عن موجة الحرائق التي اجتاحت صيف 2023 أبرز الواحات بالجنوب الشرقي؛ وهو معطى أقرتْ به وزارة الفلاحة، مؤكدة ضمن جواب كتابي عن سؤال برلماني في الموضوع أن “سوق العرض والطلب تأثر بهذه العوامل بشكل مباشر”.
“وفرة العرض” و”غلاء الأصناف المحلية”
امبارك، تاجر تمور بالجملة في سوق “درب ميلا” بالدار البيضاء، أفاد هسبريس خلال تواصل معه بأن “ثمن التمور المستوردة هذه السنة يظل في المتناول، مقابل غلاء أنواع تمور محلية/مغربية؛ رغم وفرة العرض لرمضان هذه السنة إلا أن الإقبال على السوق يظل ضعيفا”.
وأكد التاجر ذاته، خلال حديثه مع الجريدة، أن “ثمن الكيلوغرام من التمور متوسطة الجودة يتراوح عموما بين 35 إلى 45 درهما بالجملة، ما يعني أن السعر بالتقسيط لدى المستهلك النهائي يظل مرتفعا بشكل أكبر”.
وبالنسبة للأصناف وأثمانها بالجُملة، أكد المتحدث أن “التمور المصرية تناهز خلال الأيام الأخيرة التي تسبق رمضان 12 درهما إلى 14 درهما”. أما نظيرتها التونسية فتتراوح بين 20 و25 درهما”، بينما يصل ثمن التمور الجزائرية إلى أزيد من 40 درهما بالنسبة لصنف ذي جودة عالية”.
ولفت البائع بالجملة، في إفاداته لهسبريس، إلى أن “التجار الصغار وبالتقسيط لا تتجاوز قيمة أرباحهم 4 إلى 5 دراهم في كل كيلوغرام”، مسجلا أن “صنف التمور المحلي المعروف باسم “المْجْهول” يبدأ سعر الكيلو منه بالجملة ابتداء من 40 درهما إلى 60 درهما. أما صنف “الجِيهْل” فيتراوح بالجملة بين 30 إلى 45 درهما كمتوسط سعر بالجملة”.
من جانبه، سجل تاجر بالتقسيط بمدينة ورزازات تحدث إلى هسبريس “الإقبال الضعيف من طرف المغاربة على شراء تمور محلية”، مفيدا بالمقابل أن “العرض يظل وفيرا وكافيا لهذه السنة كي يمر رمضان في أجواء جيدة”.
وأضاف: “أسعار أصنافٍ مشهورة من التمور بالتقسيط تظل مرتفعة نسبيا على العموم مقارنة مع الفترة الرمضانية من السنة الماضية”، عازيا ذلك إلى “قلة المحصول في معظم واحات أقاليم ومناطق أرفود والرشيدية وزاكورة”، منبها أيضا إلى “انتشار بيع أصناف تمور مغربية خاضعة للتجميد”.
وفقا لمعطياته، أفاد التاجر المحلي ذاته بأن “صنف السكري وأصناف تمور مستوردة من تونس تصل 40 درهما لكل كيلوغرام بالتقسيط، مقابل “صنف المجهول الصغير” البالغ ثمنه بين 50 و80 درهما مقابل 120 درهما للصنف الكبير؛ حسب النوعية والجودة”. أما “التمر المصري” فإنه يباع قبل أيام من رمضان بثمن يتراوح بين 20 درهما إلى 30 درهما”، حسبه.
“تكاليف مرتفعة فاقمَها الإجهاد المائي”
من جانبه، أكد عبد السلام ماجد، مهني صاحب تعاونية ووحدة تثمين التمور بإحدى جماعات إقليم زاكورة، إن “ملف التمور بين الإنتاج المحلي والأصناف المستوردة وكل ما يثيره ذلك من إشكاليات للتنافسية وإغراق الأسواق، فضلا عن جودة المعروض ومراعاته لصحة المستهلك، ملف يحتاج نقاشا عميقا وجريئا وبكل موضوعية”.
وبينما أشاد المهني ذاته بـ”استراتيجيات عمومية تحاول الارتقاء بسلسلة إنتاج التمور والاعتناء بنخيل الواحات”، نبه إلى ضرورة دعم المنتجين والمهنيين ومواكبتهم في أنشطة التوزيع والتسويق، وكذا عمليات التلقيح في بعض الواحات”، بعيدا عن “المنطق الذي يحكم الشق التضامني–التعاوني”.
وشدد صاحب وحدة تثمين التمور، مصرحا لهسبريس، على أن “التكلفة العالية للإنتاج وسيرورته ترفع من السعر النهائي للتمور المغربية”، مبرزا “أهمية انتباه الفاعل العمومي ترابيا ومركزيا إلى أهمية حماية وتحصينه المنتوج المحلي”. وضرب مثالا بأن “كل كيلوغرام من التمر تستدعي 10 دراهم بمثابة تكاليف ومصاريف بين تلفيف وفرز وتبريد ومصاريف أخرى”.
وأشار المتحدث إلى أن “تحصين المنتوج المحلي من التمور يستدعي تقنينا أكثر لعمليات استيراد التمور الجزائرية والمصرية والتونسية”، واصفا ما يقع قبل حلول رمضان الفضيل بأشهر بأنه “يشبه عمليات غزو وإغراق للأسواق المغربية التي تتوفر أيضا على “التمور الوطنية، التي تحتاج إلى مزيد من التأهيل، تتمتع بالقيمة الغذائية المضمونة والطبيعية دون إضافات صناعية أو كيميائية”.
المصدر : هسبريس