مع حلول رمضان المبارك، تكثر حملات التبرع والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين في شهر الصيام، ويعرف المجتمع انخراطا واسعا في هذه الأنشطة كل سنة؛ غير أنه في العام الحالي يسجل الكثير من المتابعين انخفاضا ملحوظا في هذا النوع من الأنشطة التضامنية والترويج لها في وسائل التواصل الاجتماعي.
وحتى قبل حلول شهر الصيام، كانت العديد من القرى والمدن تحفل بتوزيع القفف الرمضانية والمساعدات التي تنخرط فيها الجمعيات والفعاليات المختلفة بنشاط كبير؛ الأمر الذي افتقدته الكثير من المغاربة خلال هذه السنة، ودفع بهم إلى الاعتقاد بأن قيم التكافل والتضامن بدأت تضمحل وتقل.
أنس بنعلوش، الفاعل الجمعوي بمدينة طنجة، من المغاربة الذين يعتقدون بأن التضامن والتكافل شهد تراجعا في الأيام الأولى من رمضان الجاري، مرجعا ذلك إلى “خوف المحسنين من المتابعة القانونية في حالة عدم احترام المساطر القانونية في مجال التبرع والتطوع”.
وأكد بنعلوش، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن تعامل السلطات مع الموضوع ومتابعة رجالها له ولّدت “الخوف من الرقابة المشددة على عمليات التضامن الاجتماعي بين أفراد المجتمع، خصوصا في هذه الأيام المباركة وأيام العيد”.
وسجل الفاعل الجمعوي ذاته أن “المساطر باتت ترهق كاهل المجتمع المدني والتراخيص التي تشترط أن تكون الجمعية الراغبة في توزيع المساعدات خالية الذمة أثرت على عمليات التضامن؛ وهو ما قلص بنسبة كبيرة من هذه العمليات”، مبرزا أن الظروف الاجتماعية للأسر وغلاء المعيشة انعكست حتى على التضامن والمبادرات الفردية.
وأشار بنعلوش إلى أن مجموعة من الجمعيات تراجعت عن القيام بهذا الدور في رمضان، في الوقت الذي كانت “العشرات منها في السابق تتنافس قبيل شهر رمضان وتنخرط في إحصاء الأسر المعوزة والفقيرة من أجل توفير المساعدات اللازمة لها”، مشددا على أن هذه المستجدات أثرت هذه السنة “بشكل واضح في عمليات التضامن التي تقلصت بنسبة كبيرة”.
في تعليقه على الموضوع، قال مصطفى بنزروالة، الباحث في العلوم الاجتماعية، إن الحديث عن تراجع التضامن والتكافل بنسب معينة في رمضان “لا يمكن الجزم به من الناحية العلمية والمعرفية، في ظل غياب دراسات دقيقة حوله”.
وأضاف بنزروالة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “لا يمكن أن نحسم في تراجع العمل التضامني والتكافلي لدى المجتمع المغربي”، معتبرا أن “ميل المجتمع إلى المحافظة أكثر يؤكد أن القيم الثقافية للمغاربة تظل صامدة، ولا تتعرض لعوامل التعرية الاجتماعية كما يقال”.
وتابع الباحث في العلوم الاجتماعية موضحا أن المنظومة القيمية للمغاربة بـ”الرغم من أنها تعيش نوعا من التحول والتغير نحو القيم الأكثر حداثة والمرتبطة بالفردانية وتضييق حدود العلاقات الإنسانية، فإن هذا لا يمنع من أن القيم الأصيلة في المجتمع المغربي كقيم التضامن والتكافل والتعاون ما زالت حاضرة”.
وزاد المتحدث ذاته مبينا: “المؤشرات الواقعية والميدانية لا تؤكد هذا الأمر، وتوزيع القفف لا يزال مستمرا”، واستدرك: “العمليات المؤسساتية والتنظيمية في مسألة التكافل الاجتماعي هي التي تراجعت ربما”، مبرزا أن المؤسسات الجمعوية والتنظيمات والهيئات المدنية التي كانت تشتغل في إطار الإحسان العمومي إلى غير ذلك ضعف نشاطها”.
وأرجع بنزروالة هذا التراجع إلى أسباب متعددة؛ إلا أن السبب الرئيسي هو “سبب قانوني بفعل الترسانة القانونية الجديدة وتأطير عملية الإحسان العمومي والتكافل بمنظومة قانونية ساهمت في التقليل من المبادرات المنظمة؛ لكن المبادرات الفردية والسلوكات الفردية ما زالت سائدة وسائرة، ويمكن ملاحظتها في المجتمع”.
وبالإضافة إلى تعقيد المساطر وتأثيرها على العمل التضامني المنظم وتراجعه، أرجع بنزروالة ذلك، أيضا، إلى ما سماه “التمييع” الذي طال عمل الإحسان العمومي؛ من خلال “مبادرات فيسبوكية و”شوفوني” التي باتت تنفر المحسنين من الانخراط في الحملات المنظمة التي يرون فيها أنها تتنافى مع القيم الأصيلة للمغاربة”.
المصدر : هسبريس