أخبار
“يوم الماء العالمي” يرفع تحديات الحكومة لحماية المغاربة من الاحتقان الاجتماعي
حضر الانتظار الذي دام طويلا لـ”تفعيل المجلس الأعلى للماء والمناخ” ضمن المطالب الرئيسية للباحثين في الشأن المائي على هامش “اليوم العالمي للماء” (22 مارس)، إلى جانب “تخطي ‘تسييس الماء’ الذي استنزف وقتا وفيرا في التجديف ضد حكومات سابقة ضيّعت سنوات من التدبير وأخرت بناء مجموعة من السدود”، وكذلك “تسريع المشاريع المتعلقة بتحلية المياه وتشييد السدود المتعثر إنجازها”، بتعبيرهم.
هذه النقاط وغيرها شكلت محور تقاطع الباحثين الذين تواصلت معهم هسبريس، معتبرين أن الاستراتيجية الوطنية المائية “تواجه تحديات عديدة؛ منها ما هو مناخي وما هو تدبيري”، خصوصا أن “سيناريوهات الاحتقان الاجتماعي نتيجة نقص الموارد المائية مطروحة في المناطق النائية التي تواجه عطشا بنيويا”، أمام “استفراد مافيات الفلاحة بمخزون غير يسير من الفرشة المائية”.
“مشكلة فلاحية”
مصطفى العيسات، باحث في الماء والتنمية المستدامة، أشار إلى “استهلاك القطاع الفلاحي منذ سنوات عديدة لـ85 في المائة من الموارد المائية الوطنية”، معتبرا ذلك “تحديا مطروحا وبإلحاح على الحكومة لتعالجه بالانتقال إلى فلاحة ذكية تحاصر “مافيا القطاع” وتراعي مناخ منطقة معينة ومواردها المائية قبل زرع منتوجات فلاحية فيها”، مقدما مثال “البطيخ الأحمر الذي كان من أكثر الفلاحات غباء بأن يزرع في مناطق مناخها صحراوي وشبه صحراوي وجاف”.
العيسات، في تصريحه لهسبريس، أضاف أن “الخصاص المائي واستنزاف الفرشة السطحية في المغرب هو مشكلة هيكلية اليوم؛ وبالتالي تدبير هذه الثروة المائية يحتاج منا الآن إلى استراتيجية متوازنة ومتكاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب وتحقيق السيادة المائية”، لافتا إلى “دور تفعيل المجلس الأعلى للماء والمناخ وكيف يمكنه أن ينجح وضع هذه الاستراتيجية إذا خلصنا الإجهاد المائي من التجاذبات السياسية ومن المزايدات ضد حكومات بعينها”.
وأبرز الباحث في الماء والتنمية المستدامة “أثر تدخل العاهل المغربي في اجتماعات رفيعة المستوى لتسريع كل الأوراش المتعلقة بالاستراتيجية الوطنية للماء، والتي ستشيد سدودا جديدة وستخلق محطات لتحلية مياه البحر وإعادة تدوير المياه العادمة”. كما أننا “نتجه إلى استعمال الطاقة النووية لأغراض سلمية”، مؤكدا أن “إنجاح هذه المشاريع يحتاج إلى مؤسسة مستقلة لتسهر على تنزيل القوانين، وتفعيل الاستراتيجيات، ووضع خطط تدبير أجود للمجال المائي والتنسيق مع باقي القطاعات الحكومية”.
وسجل المتحدث عينه “أهمية العودة إلى الأنواع الزراعية المتكيفة مع المناخ؛ كالشعير والقمح الصلب والحبوب الزيتية، التي بإمكانها أن تحقق توازنا في القطاع الإنتاج الفلاحي وتحافظ على هذا المجال الذي يساهم في الناتج الإجمالي للمملكة وكذلك في توفير مناصب شغل مهمة”، مشددا في السياق نفسه على أن “يتجه الفاعل العمومي والسياسي إلى كل ما يمكن أن يحمي الأمن الغذائي والمائي للبلاد”.
“سياسات للآن وغدا”
مصطفى بنرامل، باحث متخصص في الشأن المائي والمناخي، شاطر العيسات الرأي في “ضرورة تسخير ما تبقى من عمر الحكومة للعمل عوض المزايدات السياسية باسم موضوع المياه”، داعيا في السياق ذاته إلى “الانكباب على إعداد دراسات شمولية للوضعية المائية الحالية والتدابير الاستشرافية؛ وهذه العملية يمكن أن يقوم بها المجلس الأعلى للماء والمناخ، الذي ما زال حبيس رفوف المؤسسة التشريعية رغم صدوره في الجريدة الرسمية”.
بنرامل قال لهسبريس إن “التدبير الحكومي يجب أن ينهل من مرجعية سياسية ومن برنامج؛ لكن التدبير يقتضي إدارة تتوفر على أطقم وأطر عليا ذات بعد استراتيجي يساعدها على وضع سياسات مائية”، فـ”هذه سياسة دولة وليست برنامج حزب بعينه”، معتبرا أنه “يتعين أن تكون سياسات مندمجة مبنية على دراسات معمقة تضع السيناريوهات المستقبلية، فنحن نتحدث عن السنة السادسة من الجفاف وعلى أعتاب السابعة، ومن المتوقع أن تستمر الوضعية لثلاث سنوات أخرى”.
وبخصوص تنزيل أفضل لتوصيات المؤسسات الدستورية والفاعلين المستقلين، دعا الباحث المتخصص في الشأن المائي والمناخي إلى “تدبير جهوي للماء من خلال تفعيل مجالس جهوية”، على أن تكون مهمتها الأساسية “القيام بدراسات معمقة بتنسيق مع الجامعات ومع الجماعة الترابية ومديريات الفلاحة والاستثمار الفلاحي ومديريات التجهيز والماء مع الانفتاح على القطاع الخاص”، وزاد: “القيام بذلك يساعدنا لمعرفة دقيقة للمياه الموجودة ووضع السيناريوهات المستقبلية لمواجهة أزمات المستقبل”.
وفي اليوم العالمي للماء، فضّل المتحدث عينه أن يتحدث بـ”الوضوح الكافي”، مؤكدا أن “القادم سيكون أسوأ من حيث الوضعية المائية التي نعيشها”، ومنبها إلى أن “البرامج يجب ألا تكون استجابة للوضع الحالي؛ بل يجب أن تكون قادرة على التكيف مع الوضعية الحالية والمستقبلية أيضا، على المستويين المتوسط والبعيد، فما نعيشه صار يستدعي بالفعل إجراءات متكاملة وقادرة على البقاء في وجه تطرف المناخ”.
المصدر : هسبريس