علق باحثون في الاقتصاد على المطلب الذي كان حيويّا في لقاء الحكومة مع المركزيات النّقابية، على هامش انطلاق الحوار الاجتماعي لهذه السنة بحر هذا الأسبوع، معتبرين إياه “حقا جبائيّا”، ظل “مهضوماً” نتيجة غياب “العدالة الضريبية” في المغرب، الذي يعتبر دولة تضريب بامتياز منذ قرون خلت، فاقتضت الظرفية مراجعة هذا الجانب.
وبالنظر إلى “الاختلال” الكامن في “الميزان الجبائي” فإن “الطبقة المتوسطة والأجراء الذين تقتطع ضرائبهم من المنبع تحمّلوا الوزر الأكبر نتيجة التهرب الضريبي، وكذا انخراطهم في أداء ضرائب أخرى: الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الاستهلاك، إلخ”، يقول الباحثون أنفسهم لهسبريس، معتبرين أن “تخفيض هذه الضريبة سيكون مفيداً في نمو الاقتصاد الوطني وتحقيق نوع من الرخاء”.
إنصاف جبائي
عمر الكتاني، جامعي وباحث في الاقتصاد، اعتبر أن مطلب تخفيض الضريبة على الدخل، الذي ترافعت عنه المركزيات النقابية أمام الحكومة “يعدّ راهنيا”، لأن “جزءاً كبيراً من المغاربة يعانون من التضخم ومن الضغط الضريبي”، مضيفاً أن “هذه الضريبة من جهة أخرى تعدّ من المصادر الأساسية التي تجلب موارد ضريبية كبيرة للدولة، نتيجة غياب العدالة الجبائية وتفشي التهرب الضريبي”.
ولفت الكتاني، في تعليق قدمه لهسبريس، إلى أن “معالجة هذه الضريبة بشكل يصبّ في صالح الطبقة المتوسطة سيساهم في رفع قدرتها الشرائية التي تضررت، لأنها ستكون لها مداخيل إضافية تصبّ في خزينة الدّولة تلقائيّا، من خلال ضرائب أخرى، رغم أن الوضع الاقتصادي لم يعد يسمح لهذه الفئات بالنمط نفسه من الاستهلاك”، مؤكداً أن “هذه الصيغة بدورها تتسبّب في جزء كبير من التّضخم في المغرب، لأنها تغطي الاستهلاك وتغطي الإنتاج على كل المستويات”.
ودعا المتحدث عينه إلى “التخفيف عن الأجراء ومتوسطي الدخل بالمغرب، من خلال نهج سياسة للتقشف العام ومحاربة الريع المتفشي في بنية الدولة”، لافتا إلى “نجاعة تخفيض الضريبة على الدخل في خلق توازن بين العرض والطلب؛ ودور ذلك في رفع نسبة الاستبناك ونسبة السيولة الموجودة في الأبناك، التي ستكون مهمة بالنسبة لحركية الاقتصاد الوطني، الذي تضرر بشكل كبير جراء الأزمات المتتالية بدءاً من جائحة كوفيد19”.
تنفيس اقتصادي
ياسين عاليا، باحث في الاقتصاد، تبنى الطرح نفسه السائد في أوساط الاقتصاديين، القاضي بأن “تخفيض هذه الجباية إلى أقل مستوياتها له أثر إيجابي في الرفع من مدخول الفاعلين الاقتصاديين بشكل عام”، موضحا أنه “مطلب ملح ويدخل في إطار الإصلاحات الضريبية، ومن المتوقع أنه برسم مشروع قانون مالية السنة المقبلة سيكون هناك إصلاح خاص بمنظومة التضريب، بما فيها الضريبة على الأجور كفرع من الضريبة على الدخل التي تصل إلى 38 في المائة”.
وأشار عليا، في إفادات لهسبريس، إلى “الصعوبات التي تستدعي التعجيل بالمعالجة”، ومنها “التغير الكبير في مستويات المعيشة الذي لم تستطع الطبقات المتوسطة تحمله، فضلاً عن ارتفاع الموجات التضخمية التي تلت فترة ما بعد كوفيد19، وتعززت لدينا في المغرب وأصبحت تضخما بنيويا بجزء منه مستورد”، وأضاف: “هذه الصعوبات رفعت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، ولم يعد المواطن المغربي قادراً على مسايرتها”.
ولفت المتحدث عينه إلى “تنفيس سيحدث بالنسبة للطبقة المتوسطة جراء هذا التخفيض، لكونها ستشعر بالفرق أكثر، خصوصا من حيث قدرتها على الادخار وعلى توسيع الاستثمارات وتحريك القدرة الشرائية”، مؤكدا أن “النمو الاقتصادي سيعرف ارتفاعاً أيضا، عبر تحريك عجلة الاستهلاك الداخلي وتعزيز الطلب الداخلي والرفع من مستويات الإنتاج وتحسين ظروف الاقتصاد بشكل عام”.
يشار إلى أن مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أعلن رسميا في دجنبر 2023 عزم الحكومة مراجعة الضريبة على الدخل من أجل الرفع من أجور الموظفين والأجراء، مبرزا أنه “سيتم تنزيل هذا الإجراء سنة 2025، على أن ينطلق تدارسه خلال مناقشة قانون مالية المقبل”.
المصدر : هسبريس