أخبار
خبراء يطالبون الاتحاد الأوروبي بالتشاور مع المغرب في إدارة ملف الهجرة
يستمر ملف الهجرة غير الشرعية في إثارة قلق الدول الأوروبية بعد أن باتت سواحلها تستقبل بشكل دوري مئات الآلاف من المهاجرين القادمين من القارة الإفريقية والمتخذين من دول جنوب البحر الأبيض المتوسط نقطا للانطلاق بهدف معانقة “اليابسة الأوروبية”.
وتبنى الاتحاد الأوروبي، خلال الأسبوع الجاري، إصلاحات جديدة من شأنها أن تشكل “ميثاق الهجرة واللجوء” الجديد. واستغرق إعداد هذه النصوص القانونية المؤطرة حوالي عقد من الزمن في ظل تباين نوايا الدول ومصالحها في هذا الصدد، موازاة مع رفض الأحزاب المحسوبة على “اليمين المتطرف” له.
المسؤولون الأوروبيون رحبوا بهذا الاتفاق الذي اعتبروه “تاريخيا وضروريا للأمن الأوروبي ككل”؛ فقد أكدت إيلفا جوهانسون، مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي، أن الإصلاحات الجديدة تروم “حماية الحدود الخارجية للاتحاد والضعفاء واللاجئين”.
وأمام هذا التوجه الأوروبي نحو سياسات أكثر تشددا بخصوص الهجرة، يظهر المغرب من بين الدول التي لها شراكات مع بروكسيل في تدبير ملف الهجرة السرية والتخفيف من نسبة الواصلين إلى البرّ الأوروبي، حيث لا تزال الرباط واحدة من دول المنطقة التي تعول عليها أوروبا لمساعدتها في إدارة هذا الملف.
وأكد باحثون متخصصون في موضوع الهجرة، تحدثوا لهسبريس، أن “الاتحاد الأوروبي مطالب بالتشاور المستمر مع المغرب فيما يخص تدبير هذا الملف، حيث يظل شريكا استراتيجيا لا محيد عنه؛ وبالتالي فأي إجراءات قد تجعله طرفا ثانويا أو ستصوره على أنه دركي لا غير فإنها تظل مرفوضة ولا يمكن أن تنجح بدون انخراط الرباط فيها”.
وفي هذا الصدد، قال عبد الفتاح جمور، باحث متخصص في الهجرة والتنمية، إن “مختلف الإصلاحات التي يتجه الاتحاد الأوربي إلى تطبيقها بخصوص ملف الهجرة مهمة؛ غير أنها لا يمكن أن تؤتي أُكلها إذا لم تستحضر الأطراف من خارج القارة، بما فيهم المغرب الذي يقوم بمجهودات كبرى في كبح الهجرة السرية المتوجهة نحو التراب الأوربي”.
وأضاف جمور، في تصريح لهسبريس، أن “المغرب يعد الدول الوحيدة بالمنطقة التي تتوفر على صفتي الانطلاقة والوصول، إذ تحول في الآونة الأخيرة إلى منطقة للاستقرار لدى فئة كبرى من المهاجرين، خصوصا من دول جنوب الصحراء؛ وبالتالي فأي إجراء أوروبي يهم ملف الهجرة من الواجب أن تتم مناقشته مع المغرب الذي يجنب التراب الأوروبي مئات الآلاف من المهاجرين سنويا”.
وحسب المتحدث ذاته، فإن حل هذا الملف المعقد “لا يمكن أن يتم فقط باعتماد تدابير قانونية صِرفة فقط، بل يستوجب دعم بلدان المنبع والمنشأ على المستوى التنموي لتجاوز مختلف الإكراهات التي ترفع من نسب المقبلين على ركوب أمواج المتوسط أو الأطلسي بطريقة سرية”، معتبرا أن “السياسة المغربية في هذا الصدد أثبتت نجاعتها ولا تزال”.
وفيما يرتبط بطبيعة التعديلات التي أقرها الاتحاد الأوروبي، بيّن الباحث في الهجرة والتنمية أن “المراكز الحدودية التي من المنتظر الاعتماد عليها بشكل كبير قد تعرف انتهاكات في حقوق الإنسان وتطرح تساؤلات حول ظروف الإقامة بها؛ في حين أن ترحيل طالبي اللجوء خارج التراب الأوروبي يدفع في اتجاه فقدانهم للحماية الدولية، على الرغم من أن تقديم طلب اللجوء مكفول أمميا وإنسانيا”.
من جهته، قال الكبير عطوف، أكاديمي خبير في قضايا الهجرة، إن “المغرب يظل شريكا استراتيجيا للاتحاد الأوروبي في التصدي للهجرة السرية، حيث بات مُصدرا ومنتجا لظاهرة الهجرة، خصوصا في الفترة الأخيرة بعد أن صار منطقة استقرار إلى جانب كونه في الأساس منطقة عبور نحو اليابسة الأوروبية؛ وبالتالي فأي تصور مستقبلي للظاهرة يجب أن يكون في إعداده شريكا”.
عطوف لفت، في تصريح لهسبريس، إلى أن “المغرب يعتمد، خلال الفترة الأخيرة، على استراتيجية جد صارمة بخصوص كبح نسبة الهجرة؛ وهو ما تؤكده نسب العمليات غير القانونية التي يقوم بإحباطها خصوصا بالجهة الشمالية، في حين أن الملاحظ أن النشاط بات كذلك حاضرا على مستوى الواجهة الأطلسية قبالة جزر كناريا”.
وأكد الأستاذ الجامعي بجامعة ابن زهر بأكادير أن “الرفض المغربي للتحول إلى دركي أوروبا ثابت وواضح؛ وهو ما تتفهمه أوروبا كذلك عبر استمرارها في دعم الرباط سياسيا ودبلوماسيا ولوجستيا، بالنظر إلى ثقل هذا الملف الذي يثير خلافات بين دول الاتحاد حول طريقة تدبيره؛ فإيطاليا حاليا هي التي تتوفر على الموقف الأكثر قوة باعتبارها الأكثر تضررا من آلاف المهاجرين القادمين من سواحل المغرب وليبيا وتونس كذلك”.
كما شدد المتحدث ذاته على “ضرورة الاستشارة الأوروبية مع المملكة في أية خطوة تهم تدبير مسلسل الهجرة بالمنطقة، حيث يظل عنصرا مهما في هذا الصدد اعتبارا للمجهودات التي يقوم بها في ضبط التحرك البشري غير القانوني”، موردا أن “الرباط لديها ما تقوله في هذا الصدد، ولا يمكن اعتبارها مجرد طرف ثانوي”.
المصدر : هسبريس