أخبار
جلسة انتخاب هياكل مجلس النواب تعيد ظاهرة غياب البرلمانيين إلى الواجهة
أعادت جلسة انتخاب هياكل مجلس النواب، مساء الخميس، سؤال غياب النواب مرة أخرى إلى الواجهة، بعدما شهدت الجلسة ذاتها غياب الغالبية الساحقة من البرلمانيين الذين كانوا على موعد مع انتخاب أعضاء مكتب المجلس.
وانتُخب أعضاء مكتب مجلس النواب من طرف 170 نائبا فقط، من أصل 395 نائبا، أي إن 225 غابوا عن الجلسة التشريعية، وهو ما خلف موجة من الانتقادات والردود الغاضبة إزاء الظاهرة التي ظلت تجر على البرلمان الكثير من الانتقادات.
ويزيد من حدة الانتقادات والمؤاخذات المسجلة على البرلمانيين في هذا الباب، تزامنها مع بداية الدورة الربيعية من السنة التشريعية الجارية، التي عرفت توجيه رسالة من الملك محمد السادس إلى البرلمان بمناسبة الذكرى الستين لتأسيسه، حثهم فيها على الجدية والالتزام وإخراج مدونة أخلاق ملزمة لهم.
خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، اعتبر أن الغياب في المؤسسة التشريعية المغربية، سواء تعلق الأمر بمجلس النواب أو بمجلس المستشارين، “ظاهرة لازمة على الأقل في العقود الثلاثة الماضية، ترتبط أساسا بمفهوم التمثيلية لدى الأحزاب ولدى النواب”.
وأضاف يايموت، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن مفهوم التمثيلية لدى الأحزاب المغربية هو “تمثيلية عددية، وعند النائب التمثيلية مرتبطة بشكل كبير بمجموع المصالح التي تربطه بالحزب أكثر مما هي قدرة على التشريع والفهم في المجال القانوني أو السياسات العامة”.
وأفاد المتحدث ذاته بأن “من الناحية الظرفية، الغياب المسجل في جلسة أمس يتعلق بمجموعة من الإشكاليات التي تعرفها الأغلبية وكذلك المعارضة، وهناك صراع كبير داخل الأحزاب المشكلة للأغلبية فيما يتعلق بالمناصب، وهو ما يجب أن نستحضره في الذكرى السابقة التي يحملها دائما فكر المترشح للبرلمان بأنها فرصة لبلوغ المناصب والربح المادي والمعنوي”.
وتابع يايموت قائلا: “هناك صراع كبير نشب داخل حزب الأصالة والمعاصرة حول كيفية تدبير الترشيح في مجلس النواب، والمشكل طرح في حزب التجمع الوطني للأحرار وكذلك في حزب الاستقلال، وهو صراع داخلي على المناصب باعتبار أنها تؤدي إلى مكاسب مادية أولا ومسائل معنوية”.
كما أبرز أستاذ العلوم السياسية أن المشكل نفسه واجهته أحزاب المعارضة، “أولا لأنها ضعيفة بشكل كبير جدا ومشتتة، وبينها خلافات كبيرة، وترى أن تأثيرها على المشهد الانتخابي داخل مجلس النواب ضعيف إلى ضعيف جدا، باستثناء لجنة العدل والتشريع التي تتولاها المعارضة ويكون فيها نوع من التداول العرفي أكثر مما هو صياغة قانونية جادة في هذا الجانب”.
وأشار المتحدث لهسبريس إلى أن الولاية التشريعية الجارية التي أنهت نصفها الأول “تزيد الصورة لدى الشعب والرأي العام قتامة، ورأينا بشكل مكثف أن هناك ملفات لبرلمانيين فيها تداخل الصفة التجارية والمصالح في المستويات المركزية والمحلية”.
واستبعد يايموت أن يكون للعقوبات المفترض اتخاذها في حق النواب المتغيبين تأثير على الظاهرة، قائلا: “لا أظن أن العقوبات ستحل الإشكالية، لسبب بسيط هو أن هناك فئة مهمة جدا حضورها أو غيابها لا يؤثر في مجلس النواب إطلاقا”، مبرزا أن هذه الفئة هي “الأمية وشبه الأمية التي تمثل نسبة مهمة جدا في مجلس النواب، ويسقط عنها الحضور والغياب من الناحية العقلانية، لأن لا دور لها إطلاقا في مجلس النواب إلا في تصور الأحزاب العددي”.
وفسر يايموت أن “هناك فئة أخرى وسيطة بين الأمية وشبه الأمية هي التي لها وعي جامعي، وهي فئة عريضة كذلك، إلا أن دورها شبه معدوم، لأن إدراك الأبعاد القانونية وفهم السياسات العمومية يتطلب تكوينا ثقافيا قبليا لا يمكن اكتسابه في مجلس النواب خلال 5 سنوات”، مشددا على أن الفئة الواعية أو المدركة على الأقل بشكل متوسط أو لا بأس به للثقافة القانونية والسياسة العمومية، “هي نسبة لا تزيد في مجلس النواب عن 17 أو 15 بالمائة تقريبا”، حسب تعبيره.
من جهته، قال المحلل السياسي إدريس قصوري: “في السياق الحالي، وبعد الرسالة الملكية الموجهة إلى البرلمان في الذكرى الستين لتأسيسه التي تناولت مسألة تخليق الحياة البرلمانية، لا يمكن الحديث عن ظاهرة، بل عن أزمة أخلاقية تعصف بصورة ممثلي الأمة”.
وأضاف قصوري، في تصريح لهسبريس، أن “التزام البرلمانيين بالحضور إلى المؤسسة التشريعية، هو مسؤولية قبل أن يكون واجبا، بالنظر إلى الوضعية الاعتبارية للبرلماني الذي وثق فيه المواطنون من أجل حمل همومهم وصوتهم”.
وتابع المحلل السياسي مبينا أن استمرار غياب النواب البرلمانيين “أزمة يجب التصدي لها بكل الوسائل تفعيلا لمضامين الرسالة الملكية التي وضعت النقاط على الحروف، وبالتالي فعلى المؤسسات الأخرى أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الصدد”، مسجلا أن “معالجة هذا الإشكال عبر إجراءات مسطرية يتم تضمينها في مدونة الأخلاق البرلمانية، بات ملحا أكثر من أي وقت مضى، في ظل أهمية الملفات والقوانين التي ستحال على المؤسسة التشريعية في قادم الأيام”.
وأشار المتحدث إلى أن مسؤولية الأحزاب السياسية في هذا الصدد واضحة؛ لأنها “تدعم المتراخين في الحضور إلى قبة البرلمان وتغض الطرف عنهم، بل وتدافع عنهم”، مشيرا إلى ضرورة “تفعيل مبدأ الأجر مقابل الحضور إلى البرلمان والاقتطاع من تعويضات البرلمانيين المتخلفين عن الحضور لأشغال الجلسات العامة، بل وتجريد المتغيبين منهم لمدد غير مقبولة من العضوية في هذه المؤسسة الدستورية، خاصة لما ينجم عن ذلك من هدر للمال العام وهدر أيضا للزمن السياسي والبرلماني”.
وأشار قصوري إلى أن البرلمانيين يتقاضون “تعويضات عن التنقل والفنادق وما إلى ذلك من التعويضات التي تضاف إلى رواتبهم الشهرية ولو لم يحضروا. وبالتالي، فعلى القائمين على المؤسسة التشريعية القطع مع هذه الممارسات بشكل لا رجعة فيه مع محاسبة كل المتورطين عن هذا التراخي”، مسجلا أن “مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب أن يطبق على الجميع في إطار المساواة أمام القانون”، وفق تعبيره.
المصدر : هسبريس