سياسة وعلاقات دولية
مصالح سياسية واقتصادية مشتركة تجر عربة علاقات المغرب والهند
يتجه المغرب والهند بخطى ثابتة صوب تعزيز العلاقات المشتركة التي يغلب عليها الطابع التكنولوجي والمعلوماتي، حيث يطمح البلدان إلى تقريب وجهات النظر الثنائية بشأن العديد من القضايا، خصوصا في ظل سحب الجمهورية الهندية اعترافها بجبهة البوليساريو منذ أزيد من 19 سنة، الأمر الذي ساهم في إعطاء نفس دبلوماسي متجدد للروابط السياسية والاقتصادية والأمنية، التي ضخت فيها دماء جديدة عقب زيارة العاهل المغربي للعاصمة الهندية، على خلفية قمة “الهند وإفريقيا” سنة 2015.
ولعل مستقبل العلاقات الثنائية بين المملكة المغربية والجمهورية الهندية يحتل حيزا كبيرا ضمن انشغالات مراكز الأبحاث والتفكير الهندية، على رأسها معهد الأبحاث والمعلومات للبلدان النامية (RIS)، الذي يقع في قلب العاصمة نيودلهي، حيث انتبه مركز التفكير سالف الذكر باكرا إلى الأهمية التي تلعبها القارة الإفريقية في قلب المعادلة الدولية، خصوصا ما يتعلق بالاستثمارات والتجارة المشتركة بين “القارة السمراء” و”القارة الصفراء”.
روابط سياسية وثقافية
في هذا السياق، زارت جريدة هسبريس الإلكترونية مركز RIS، الذي رأى النور سنة 1983، بوصفه مركز تفكير ينصب اهتمامه على أربع قضايا محورية تشغل كافة الأبحاث التي يصدرها بشكل دوري، هي التجارة والاستثمار والتكنولوجيا والتمويل. تبعا لذلك، خصص المعهد الهندي جزءا من اهتمامه من أجل دراسة مختلف جوانب العلاقات التي تجمع البلدين، وكذلك البحث عن سبل النهوض بمستوى الروابط الكائنة في الظرفية الراهنة.
الدبلوماسي السابق، Amar Sinha، الذي شغل منصب سكرتير مكلف بالشؤون الاقتصادية في وزارة الشؤون الخارجية الهندية لمدة تزيد عن 30 سنة، أكد أن “العلاقات الثنائية شهدت توترا نسبيا سنة 1985″، في إشارة إلى اعتراف الهند بجبهة البوليساريو، تأسيا بالبلدان التي تنتمي إلى المعسكر الشرقي آنئذ، موضحا أن “الحكومة الهندية صححت خطأها لاحقا، ليختفي التوتر السياسي القائم في فترة سابقة؛ ومن ثمة عادت العلاقات إلى مستواها الطبيعي”.
السفير الأسبق للجمهورية الهندية في طاجكستان، الذي نال العضوية الشرفية في مركز التفكير عينه، قال، في دردشة أجرتها معه جريدة هسبريس الإلكترونية، على هامش الزيارة التي تقوم بها الجريدة لكبريات المؤسسات والمعاهد والشركات الهندية، إن “حجم التجارة ارتفع بين البلدين في السنوات الأخيرة، لاسيما ما يتعلق بالفوسفاط الذي نستورده من الخارج”، مضيفا أن “المملكة تعتبر شريكا استراتيجيا للهند في القارة الإفريقية، مما يستدعي ضرورة الاشتغال معه بشكل مطرد”.
وأضاف الدبلوماسي السابق أن “الحكومة الهندية أثنت على عودة المغرب إلى كنفه المؤسساتي الإفريقي”، مبرزا أن “سينما بوليوود تعرف انتشارا كبيرا بالمغرب، وهو ما يعكس التقارب الثقافي الكائن بين الشعبين”. وأشار إلى كون “الحكومة الهندية ركزت بشكل أكبر على إفريقيا منذ سنة 2014، خصوصا ما يتعلق بالسياسات العمومية المشتركة، حيث وصل عدد الزيارات التي قمنا بها إلى المغرب قرابة 22 وفدا حكومي بدءاً بعام 2015، بما في ذلك وزارتا الدفاع والثقافة”.
“الحكومة دعت إلى ضرورة تدعيم العلاقات الثنائية مع إفريقيا، بما فيها المغرب، عبر تسهيل التعاون الاقتصادي المشترك”، يضيف عضو معهد الأبحاث والمعلومات للبلدان النامية، معتبرا أن “الهند تهتم بتعزيز علاقاتها الثنائية مع المملكة في جوانب الاقتصاد الرقمي والتنمية المستدامة، علاوة على التعاون المشترك فيما يخص محاربة الإرهاب والتطرف، في إطار التعاون جنوب جنوب”.
مصالح اقتصادية مشتركة
وفي سياق الحديث عن الروابط الاقتصادية بين الهند وإفريقيا، زارت جريدة هسبريس الإلكترونية المقر الرسمي الذي يخص كونفدرالية الصناعة الهندية، التي تماشت بياناتها مع ما خلص إليه الدبلوماسي الأسبق، Amar Sinha، حيث أشارت إلى المصالح الاستثمارية والتنموية المشتركة بين الدولتين، لاسيما في ظل توفر الكونفدرالية الهندية على مذكرة تفاهم تجمعها بالاتحاد العام لمقاولات المغرب.
وحسب المعلومات التي تتوفر عليها الجريدة، فإن استثمارات المجمع الشريف للفوسفاط تأتي في طليعة المشاريع الرائدة ببلاد الهند، إذ تصل تكلفة مشروع لإنتاج الأسمدة إلى قرابة 230 مليون دولار، مما يعكس التوجه الأخير لمجموعة الـ OCP التي انفتحت على أغلب بلدان العالم، خصوصا في الهند التي تعتمد في اقتصادها على القطاع الفلاحي.
كما يتبادل البلدان، وفق تصريحات المسؤولين الرسميين بالكونفدرالية الهندية للصناعة، عشرات الوفود والزيارات التي يغلب عليها الطابع الاستثماري، لكن وتيرتها تراجعت خلال الأشهر الأخيرة، حسب تعبيرهم، مؤكدين أن “الوفود تم إحياؤها من جديد بعد زيارة وفد مغربي للكونفدرالية، خلال الأسبوع الماضي”. ودعوا إلى “تطوير العلاقات الثنائية الموسومة بالمصالح المشتركة”.
وقد انتقلت تجارة البضائع الهندية بالمغرب، تبعا للبيانات الصادرة عن الكونفدرالية، من 326 مليون دولار أمريكي سنة 2014 إلى نحو 1.327 مليون دولار أمريكي، خلال الموسم الحالي، مما يعكس الطفرة النوعية التي شهدتها العلاقات بين البلدين، بينما يبلغ مجموع الاستثمارات الهندية بالمغرب قرابة 988 مليون دولار أمريكي خلال الفترة المتراوحة بين 2003 و2019.